|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
عمادالعاشق مشرف
. : عدد المساهمات : 478 نقاط : 679 السٌّمعَة : 5
| موضوع: مذكرات رجل كان مع صدام 9/2/2016, 11:10 pm | |
| هذه عادة لنشر كتاب الدتور علاء بشير الدكتور الخاص لصدام حسين ومع ان الكتاب كبير ساورده تباعا وتكون القراءة بدون ملل من كثرت مافية الان نتوجة الى الكتاب فكونوا معنا
|
|
| |
عمادالعاشق مشرف
. : عدد المساهمات : 478 نقاط : 679 السٌّمعَة : 5
| موضوع: رد: مذكرات رجل كان مع صدام 9/2/2016, 11:11 pm | |
| كنت طبيباً لصدام د. علاء بشير ##### الحلقة الأولي: ##### صـــــــدام: أنت علاء بشير الفنان.. ستصبح طبيبي الـخاص أعددنا احتياجات المستشفيات من دون أن نعرف بالـحرب مع ايران في حدود الساعة الخامسة صباحا من يوم الثالث والعشرين من سبتمبر من عام 1980 ايقظني صوت انفجار هائل. كنت قد قضيت الليل في مستشفي الواسطي في بغداد، فقفزت من سريري ونظرت من النافذة لأري النيران والدخان الاسود فوق حي زيونة، وهو من الاحياء الخاصة بالجيش. كانت بشائر اشعة الشمس قد بدأت علي استحياء تشق الظلام في هذا الوقت المبكر من الفجر، حيث انعكست ذهبية لامعة علي اجنحة قاذفات القنابل التي كانت تحلق فوق هذا الحي من المدينة وتلقي بأحمالها المميتة. كان اول خاطر يخطر لي هو انها محاولة انقلاب، ولكنني رأيت بعد ذلك ان الطائرات إيرانية. ففي اليوم السابق كان صدام حسين قد امر السلاح الجوي من جهة، والجنود بدباباتهم من جهة اخري، ان يتوغلوا في الاراضي الايرانية في الجبهة الشمالية والجنوبية في شرق البلاد التي يبلغ طولها خمسمائة كيلومتر. ها هو إذن رد طهران. بعد ذلك بعشرين دقيقة وصلت اولي سيارات الاسعاف لتنقل الموتي والجرحي. كان اول الضحايا ولد في الخامسة من عمره، كان قد قضي الليلة مع والديه واخوته الكثيرين فوق سطح المنزل ليستمتعوا بنسمات الخريف الباردة. كان رأسه قد فصل عن جسمه، لا يربطه به سوي بعض الجلد المغطي بالدماء والطين والغبار. وكان والده ووالدته واخته قد لقوا ايضا حتفهم بعدما أطاح بهم الضغط الشديد الناجم عن انفجار قنبلة بالقرب من السطح الي حديقتهم الصغيرة. كان منظر الدم المتجلط والطين الاحمر والغبار يستدعي في النفس صورة التماثيل السومرية من الطين المحروق. صراع طويل في الراديو الذي ادرته علي برنامج الموجة القصيرة «صوت اميركا» كان احد المحللين في وكالة المخابرات الاميركية يعلق علي اندلاع الحرب. ما زلت اتذكر انه قد تنبأ بصراع طويل، دموي إلي أقصي الحدود، مضيفا ان هذا الصراع سيستمر لسنوات طويلة ولن يخرج منه اي من العراق او ايران مكللا بالنصر. لا اعتقد ان محلل وكالة المخابرات الاميركية كان يدرك انه مُحِقٌّ فيما قاله. أذهلتني مفاجأة الحرب تماما، لكن في واقع الامر ربما كان عليَّ ان استشعر ان شيئا ما سيحدث؛ فقبل ذلك بستة اشهر كنت عضوا في لجنة طارئة كانت مهمتها التحري عن مدي حاجة المستشفيات المدنية والعسكرية في العراق الي الادوية والمعدات وغيرها من التجهيزات الطبية. كان نصف اعضاء اللجنة من وزارة الصحة والنصف الآخر عينته وزارة الدفاع، وكان يتكون من الضباط والاطباء علي حد سواء، وحتي عندما طُلب منا بعد عدة اشهر من تشكيل اللجنة ان نعطي بيانات محددة عن مدي النقص في المحاليل وبلازما الدم ومراهم الحروق والمضادات الحيوية الضرورية في حال حدوث «كارثة وطنية» قد تخلف من الجرحي ما قد يصل الي عشرة آلاف جريح، حتي عندها لم ادرك انني اشترك في الاعداد للحرب ضد جيراننا! السيطرة علي شط العرب علمنا ان شط العرب هو السبب وراء هجوم القوات المسلحة العراقية علي ايران. ففي الشمال من مدينة البصرة يلتقي نهرا دجلة والفرات ليكونا هذا النهر العظيم الذي يواصل سيره لمسافة مائة كيلومتر حتي يصب في الخليج العربي لتكوّن بذلك آخر ثمانين كيلومترا من مجراه الحدود بين العراق وايران. يمثل شط العرب المنفذ الوحيد للعراق علي الخليج العربي. ويحكي ان السندباد في «ألف ليلة وليلة» قد ابحر من شطّ العرب في رحلاته الاسطورية. حارب العرب في الغرب والايرانيون في الشرق لمئات السنين من اجل السيطرة علي هذا النهر المهم استراتيجيا والمتعرض لظاهرة المد والجزر، والذي يشهد حركة ملاحية نشطة. كانت الحدود بين العرب والايرانيين تسير في الجزء الاكبر من النهر بمحاذاة ضفة النهر في الجانب الايراني. في شهر مارس من عام 1975 اعلن في اجتماع الوزراء في منظمة الاوبك في الجزائر ان صدام حسين والشاه الايراني محمد رضا بهلوي قد اتفقا علي تعديل الحدود لتسير بمحاذاة اعمق نقطة في عرضه. كانت ايران تساند حينها بالمال والسلاح زعيم الاكراد مصطفي البرزاني ومحاربيه المعروفين باسم البشمركة الذين قاموا بتمرد جديد ضد القوات الحكومية في شمال العراق، وذلك بعد ان ساد جو من الهدوء النسبي في المناطق الجبلية، وهو ما يرجع الفضل فيه الي اتفاقية مهمة بين صدام وبرزاني في عام 1970، حيث اتفق كل من الطرفين علي ان يحصل الاكراد في خلال الاعوام الاربعة التالية علي ما يشبه الحكم الذاتي الكامل، لكن كالمعتاد كان هذا وعدا زائفا، ففي مارس من عام 1974 انتهت المهلة المحددة لتشكيل حكومة الحكم الذاتي دون ان يمنح صدام الاكراد استقلالهم الذي كان قد وافق عليه كتابيا. في بادئ الامر لم يجد مصطفي البرزاني اي صعوبات في ان يحرك الشاه الايراني الذي تجمعه علاقة طيبة بالولايات المتحدة الاميركية لمساندة ثورة الاكراد التي بدأها بعدما تبين له انه قد خُدع من قِبَل صدام. كانت واشنطن لا تزال تتابع تقرب العراق من الاتحاد السوفيتي بعظيم الارتياب، لذا لم يكن مضرا بالمصالح الغربية ان تسهم ثورات جديدة وحرب اخري في اضعاف النظام في بغداد اقتصاديا وسياسيا، ذلك ما كانت تعتقده كل من وكالة المخابرات الاميركية والبيت الابيض. لكن الشاه طعن الاكراد في ظهورهم عن طريق اتفاقية الجزائر في عام 1975، فلم يعد المتمردون يحصلون علي السلاح والمال، وذلك عندما اعلن صدام موافقته علي تحديد الحدود الجديدة في وسط شط العرب. عندها وجد البرزاني نفسه مجبرا علي وقف الاعمال القتالية الي اجل مسمي، وهرب الي ايران حيث كان يقيم هناك مائة الف لاجئ كردي، معظمهم من النساء والاطفال والشيوخ. كان من المقرر ان تنهي اتفاقية الجزائر التي وقَّع عليها كل من العراق وايران الصراع بين الشعبين الشقيقين الي الابد. ذلك ما ورد في الاتفاقية، لكن لم تمر سوي اعوام قلائل حتي اخذت الاتهامات تنهمر من جديد بسبب انتهاك الحدود في شط العرب، سواء من جانب بغداد او من جانب طهران، وفي اثناء ذلك أُسقِط الشاه المريض بالسرطان، واستولت الاصولية الشيعية بعد ثورة 1979 علي السلطة بقيادة آية الله روح الله الخميني. ولم تتحسن العلاقة بين «الشعبين الشقيقين» عندما عاد خميني يساند بالمال والسلاح البرزاني والبشمركة الذين بدأوا تمردا من جديد في المناطق الكردية في شمال العراق. كانت الاخبار المستمرة حول انتهاك ايران للحدود في شط العرب او في اماكن اخري بمحاذاة خط الحدود الطويل تلقي بظلالها علي فصل الصيف السابق لاندلاع الحرب، فقام الجيش العراقي ببعض الاعمال الانتقامية في الاراضي الايرانية ردا علي ذلك، لكنني لم اكن اري ــ مثلي مثل معظم العراقيين ــ ان هذه المناوشات من شأنها ان تصبح حربا حقيقية. أسباب أخري للحرب إذن بدأت الحرب. اعلن الجانب الرسمي ان انتهاكات ايران المستمرة للحدود جعلت شن هجوم علي ايران امرا لا مفر منه، لكننا كنا نظن ان هناك اسبابا اخري خفية لهذا الاندلاع الفجائي للحرب. وعند التأمل العميق يمكن ان نفهم بسهولة ان الخميني واتباعه كانوا يسببون الخوف والرعب لصدام والنخبة السنية المحيطة به، حيث كان معظم العراقيين في آخر الامر شيعة، مثلهم مثل الاصوليين الذين استولوا علي السلطة في ايران، ولم يكن احد يعلم اذا ما كانت الثورة الاسلامية يمكن ان تمتد الي العراق العلماني ام لا؟ كان نزار الخزرجي واحدا من اهم قادة صدام العسكريين، حيث عين رئيسا لأركان الحرب في نهاية الحرب مع ايران التي امتدت ثمانية اعوام. كان نزار لا يخفي عليّ ابدا ان الرئيس كان يري ان الهجوم علي ايران امر ضروري ليتقي به هجوما مستقبليا من ايران. «كان لابد من الهجوم قبل ان يتمكن آية الله ومن معه من الموالي ان يستعيدوا القوة الحربية الكبيرة للجيش الايراني الذي كان قد شهد ضعفا كبيرا في صفوفه بسبب الفوضي التي عمت بعد سقوط الشاه، وبعد عمليات التطهير التي قام بها الضباط بعضهم بين بعض. كانت نصيحة المخابرات الحربية العراقية لصدام واضحة». طرد الخميني كانت العلاقات بين الرجلين القويين في بغداد وطهران قد تجمدت بعدما القي بالخميني في شهر اكتوبر من عام 1978 خارج مدينة النجف في العراق ــ المدينة المقدسة لدي الشيعة ــ حيث كان آية الله يبلغ من العمر آنذاك ستة وسبعين عاما. كان قبلها بأربعة عشر عاما قد عبر الحدود الي العراق ونزل بالقرب من ضريح الامام علي بعدما احتدم الخلاف بينه وبين الشاه، واضطر الي الذهاب للمنفي. كان الشاعر والاديب الذي تقلد منصب وزير الاعلام والثقافة، شفيق الكمالي، قد كُلف بإبلاغ الخميني برسالة صدام التي فحواها ان استمرار بقاء آية الله في النجف من شأنه ان يصبح خطرا علي امن العراق ومصلحته القومية، وانه بالنظر الي الحالة غير المستقرة والمتوترة في ايران، وحفاظا علي العلاقة بين البلدين، فإن عليه ان يرحل.
|
|
| |
عمادالعاشق مشرف
. : عدد المساهمات : 478 نقاط : 679 السٌّمعَة : 5
| موضوع: رد: مذكرات رجل كان مع صدام 9/2/2016, 11:12 pm | |
| دخل الكمالي ومعه وفد كبير شقة الخميني في المدينة المقدسة، وقبل ان يسمح لهم بالدخول علي الخميني، ظهر سكرتيره الخاص واخبرهم ان آية الله الخميني لا يرغب في مصافحة احد، وان عليهم ان يكتفوا بتحية الاسلام المعروفة «السلام عليكم»، وعندما دخلوا الحجرة التي يستقبل فيها الخميني ضيوفه، كان الخميني يجلس مع المترجم علي الارض. قال الكمالي: «السلام عليكم»، لكن آية الله رد عليه السلام ببرود ولم ينهض ايضا، فكان علي اعضاء الوفد العراقي ان يجلسوا هم ايضا علي الارض، قبل ان يصرح وزير الاعلام والثقافة برغبة صدام. كان الخميني يحملق في سقف الحجرة او في مترجمه او سكرتيره بشكل لافت للانتباه، فلم يكن لينعم علي وزير الاعلام او اي من المبعوثين من بغداد بنظرة واحدة. كان يجيب عن الاسئلة بنعم او بلا، او يترك مهمة الاجابة عنها لسكرتيره الخاص. ولم ينظر الخميني الي الرسل القادمين من بغداد الا بعد ان انتهي الحديث الذي لم يدع فيه الكمالي مجالا للشك في انه لا يوجد حل آخر سوي ان يغادر الخميني العراق في اقرب وقت ممكن. محرك نفاث «كان ينظر الينا الواحد تلو الآخر دون ان ينبس بكلمة، كان له حضور قوي. كنت اشعر كما لو كنت اقف في مهب محرك نفاث عندما كان يصوب عينيه نحوي. بدأت ارتعد»، ذلك ما رواه لي الكمالي فيما بعد مضيفا: «كان لدينا جميعا الشعور نفسه عندما خرجنا من عنده». كان شهر رمضان المعظم قد بدأ عندما بدأ آية الله واتباعه يتحركون من النجف الي البصرة ليعبروا من هناك الحدود الي الكويت. غير انه لم يسمح له بالعبور في اول محاولة بسبب بعض المشاكل المتعلقة بالتأشيرة الخاصة به، فاضطر الي الرجوع وقضاء الليل في فندق قريب من مطار المدينة. كان مدير الصحة في المحافظة آنذاك، نزار شاهبندر، عضوا في لجنة مهمتها الاشراف علي كل شيء يخص فترة اقامة الخميني والاعتناء به. «كان الخميني غاضبا وثائرا بشكل جنوني»، ذلك ما قاله لي شاهبندر فيما بعد. لم يكن يرغب في التحدث مع احد، كما امتنع عن تناول وجبة الافطار في الفندق. لم يتناول الخميني شيئا من الطعام الا عندما عبر الحدود الي الكويت في مساء اليوم التالي، حيث اراد البقاء هناك الي ان يستقل الطائرة الي فرنسا. ربما لم يكن غريبا علي صدام - الذي كانت تُنقل اليه بالطبع كل التفاصيل ــ ان يتوقع وفق تصوراته البدوية ان الخميني سوف ينتقم لنفسه ان آجلا او عاجلا فكان لابد لصدام اذن من ان يسبقه. تحول مستشفي الواسطي الي مستشفي عسكري صرف فور نشوب الحرب. ولاننا كنا متخصصين في جراحة التجميل واعادة التاهيل، فان اصعب حالات الجرحي واكثرها تعقيدا كانت ترسل من الجبهة الينا، ويتضح من ملفات المرضي اننا قد قمنا بأكثر من اثنتين وعشرين الف عملية جراحية في هذا المستشفي في اثناء الاعوام الثمانية التي استمرت فيها الحرب. اما حجم الموت والمعاناة فانه لا يمكن لأحد ان يقدر ابعاده الا اذا كان هو نفسه قد شهد مثل هذه الماساة الانسانية العظيمة لفترة طويلة. ما زالت بعض الحالات المأساوية تسلبني في الليل نومي، مثل حالة الملازم ذي الواحد والعشرين ربيعا الذي اتي الينا في خريف عام 1982 من الجبهة مباشرة الي مستشفي الواسطي، ومعه خمسة عشر آخرون من الضباط والجنود المصابين. كانوا قد احتموا تحت شاحنة كبيرة عندما تعرضوا لوابل من قصف المدفعية الايرانية المكثف، غير ان الشاحنة قد قصفت علي الفور. بترت شظية كبيرة الذراع اليمني للملازم تماما. كان يعطي انطباعا بانه اصغر من سنه كثيرا، وكان يبدو انه يتوق إلي حياة عادية مثل اي شاب في عمره، غير ان ذراعه التي ضاعت سلبته كل امل في المستقبل. حاولت ان اسرّي عنه. «لقد كنتَ شجاعا وقدمت كثيرا لبلادنا. ستحصل الآن علي وسام تقديرا لشجاعتك، ويمكنك ان تحمله طيلة حياتك في فخر»، هذا ما قلته. نظر الي عيني ثم اعقبها بنظرة الي ذراعي اليمني. وهنا لم يعد في مقدور الملازم الشاب ان يمسك دموعه. فهمتُ قصده. كان الجيش العراقي قد تمكن في بداية الحرب من احراز بعض النجاحات، غير ان الايرانيين في خلال عام 1982 كانوا قد دحروا قوات صدام المهاجمة. وسعت دول عربية عديدة للتوصل الي وقف اطلاق النار، لكن الخميني الذي كان مزهوا بالانتصارات التي احرزها في معظم الجبهات قرر الا يوقف القتال الذي تحول الي حرب استنزاف كبدت الجانبين خسائر فادحة. ومع الوقت تم استدعاء جميع الرجال الذين كانوا قادرين علي حمل السلاح، والذين كان يمكن الاستغناء عنهم في وظائفهم الاساسية، ففقدت الاسرة وراء الاخري عائلها، وعاش كثيرون في فقر مدقع. تجنيد بالقوة حكي لي احد اقربائي عن اسرة كانت قد انتقلت في اثناء الحرب من البصرة الي احدي الضواحي في الجنوب الشرقي من بغداد. كانت الاسرة تتكون من رجل وزوجته وطفل رضيع يبلغ من العمر ثلاثة اشهر، وما ان انتقلوا الي تلك الضاحية حتي كان مندوب حزب البعث هناك قد اتي اليهم وطلب من الرجل ان يسجل نفسه بأقصي سرعة ممكنة للمشاركة في الحرب مع قوات الجيش الشعبي. «ارجوك، كن كريما وساعد زوجتي»، هكذا توسل الشاب الي الرجل قبل ان يذهب إلي الحرب، فهو لم يكن يعرف احدا في بغداد. بعد ذلك بأسبوعين رأي الجيران زوجته تجلس علي السلم باكية، فلم يكن لديها ماء او اي شيء يؤكل في شقتها. كان الطفل قد فارق الحياة. ولم تجرؤ الام علي ان تغادر المنزل وتطلب المساعدة. تولي الجيران دفن الطفل الرضيع واهتموا بالأم الشابة القادمة من البصرة. وبعد ذلك بشهر وصل نعش الزوج من الجبهة. كان صدام يدرك ان عليه ان يخفف من المصير المر للحرب، فشرع يوزع السيارات علي اسر الجنود الذين سقطوا في الحرب. حصلت كل اسرة علي سيارة جديدة ومبلغ عشرة آلاف دينار، وهو ما كان يعادل آنذاك ثلاثين الف دولار اميركي. وكان نادرا ان تُسلَّم السيارة ويُدفع مبلغ التعويض بلا مشاكل. ففي حال اذا ما كان المتوفي متزوجا، فقد كانت اللوائح تنص علي ان زوجته هي المستحقة، وهو الامر الذي كان والدا المتوفي واخوته نادرا ما يقبلونه. كانت هذه الخلافات كثيرا ما ينجم عنها الضرب واطلاق النيران والقتل اذا ما استعانت ارملة المتوفي بوالدها واخوتها وابناء اخواتها ليساعدوها! كذلك فقد واحد من الممرضين في مستشفي الواسطي ولده في جبهة القتال. ما زلت اراه امامي. كان منهارا تماما علي الارض من شدة الحزن بحيث لا يمكنك مواساته. لم يمر سوي اسبوعين الا وكان يقود سيارة تويوتا كورونا جديدة وقد لطّخ ابواب السيارة بالدماء، فقد ذبح خروفا وسكب دماءه علي السيارة ليدفع عنها الحسد. وها هو ذا الاب يضحك الآن ملء شدقيه! في بادئ الامر كانت توزع سيارات تويوتا كورونا يابانية الصنع. وعندما ارتفع عدد الضحايا، انخفض مستوي السيارات الي السيارة فولكس فاغن باسات التي كانت تصنع في البرازيل وتستورد من هناك. كانت السيارات تأتي الي باب المنزل، غير ان معظم الارامل والاسر لم تكن تستطيع قيادة السيارات. وبالرغم من ذلك فقد كانت السيارات تستخدم علي الفور، فتصاعد عدد الحوادث بشكل جنوني، وساهم عدد ضحايا حوادث المرور في ارتفاع تلال القتلي. وقد سمعت ان ذلك كان احد الاسباب التي جعلت صدام يوقف مشروع «سيارة في مقابل الابن» في وسط الحرب. تم ايضا استنفار ما عرف بالجيش الشعبي في بدايات الحرب المبكرة. كانت هذه الميليشيا يسيطر عليها حزب البعث، وكانت قد اسست في عام 1970 لتتولي التدريب العسكري الاساسي لكوادر الحزب، فمثلت بذلك ثقلا مضادا للجيش النظامي في حال تدبير ضباطه لمحاولة انقلاب. معاقبة رافض التجنيد في خريف عام 1981 طُلب من اعضاء حزب البعث في جميع ارجاء العراق ان يكونوا قدوة لغيرهم وان يتطوعوا للخدمة العسكرية في الجيش الشعبي. سري هذا الامر ايضا علي ممثلي الحزب البارزين، غير ان كثيرا منهم رفض تنفيذ الامر بدعوي انهم ليس بمقدورهم الذهاب الي الجبهة لاسباب مختلفة، صحية او شخصية علي حد سواء. كان الدكتور هاشم جابر واحدا من هؤلاء. كان استاذا في طب الاسنان ورئيسا لجامعة بغداد، وكان يعاني منذ وقت طويل متاعب في الكلي وضغط الدم المرتفع. وكانت عيادته الخاصة تقع بجوار عيادة جراحة التجميل الخاصة بي، فكنا زملاء علي علاقة جيدة واصدقاء. وفي ديسمبر عام 1981 تلقي الخبر بان عليه ان يسجل اسمه للخدمة العسكرية في قاعة الخلد بجوار القصر الجمهوري مع اربعمائة وعشرين عضوا من اعضاء حزب البعث ذي النفوذ الكبير. كان صدام رقيقا، وكان صوته حنونا عندما افتتح الاجتماع. «في بادئ الامر اود ان ادعو كل هؤلاء الذين ليسوا في حالة صحية جيدة او الذين يشعرون بانهم منهكو القوي، او لديهم غير ذلك من الاعذار القهرية التي تمنعهم من الانضمام إلي صفوف الجيش الشعبي كغيرهم، ان يتفضلوا بالجلوس في هذه القاعة الي اليسار»، ذلك ما قاله صدام. نفذ دكتور جابر ومعه مائتان وثلاثون من اعضاء حزب البعث ما طلب منهم. كان من بينهم عديد من نواب الوزراء واعضاء كثيرون في مجلس الشعب. «هنا اعلن إقالتكم بلا سابق انذار. لا اريد ان اراكم مرة اخري في حزب البعث»، ذلك ما قاله صدام. إلي الجبهة وفي آخر الامر ارسل هؤلاء الاعضاء البالغ عددهم مائتين وثلاثين الي الجبهة. كان من المقرر ان يعقد لقاء القمة لرؤساء حكومات دول عدم الانحياز في عام 1982 في بغداد. تكلفت الاستعدادات مبالغ طائلة، فقد امر صدام ببناء فندق جديد، وهو فندق الرشيد، للمشاركين في القمة من اكثر من مائة دولة. كما قام بشراء عدد كبير من السيارات المرسيدس الليموزين للتنقلات، وغير ذلك الكثير. وبسبب الحرب والحالة الامنية غير المستقرة في بغداد، حيث كانت تتعرض المدينة بشكل مستمر للهجمات الايرانية بالقنابل والصواريخ، اجلت القمة لمدة عام آخر وتقرر انعقادها في العاصمة الهندية نيودلهي. فتفتق ذهن احد الخبثاء من معسكر الرئيس عن فكرة استخدام السيارات المرسيدس الفاخرة الجديدة كهدايا للاكفاء من المهندسين والمعماريين والاطباء والمعلمين والكتاب والممثلين والنحاتين وغيرهم من ممثلي الثقافة لمكافأتهم علي ما اسدوه من خدمات فائقة لوطنهم في اثناء الحرب التي كانت لا تزال مستمرة. مرسيدس مكافأة طُلب مني ان اتوجه إلي أحد قصور صدام لاستلم مكافأتي المتحركة علي عجلات، وذلك ليس بوصفي فنانا، وانما بوصفي طبيبا بعد ان قابلنا صدام، وكنا خمسة وعشرين طبيبا من جميع انحاء العراق، لتكريمنا بسبب معالجتنا للجرحي. ادهشني ذلك بعض الشيء لان السكرتير الخاص بصدام، أرشد ياسين، كان في الاعوام السابقة كثيرا ما يتصل بي تلفونيا او يأتي إليَّ ليخبرني كيف ان الرئيس معجب بإنتاجي الفني الذي لفت انتباهه في برامج التحقيقات التلفزيونية، او في المقالات النقدية في الصحف والمجلات. سارق آثار كان ياسين طيارا ولواء في السلاح الجوي، وكان هو نفسه مهتما اهتماما كبيرا بالفن والتحف، لكن هذا الاهتمام لم يكن مجردا تماما من الاغراض الشخصية. كان قد عزل من منصبه كسكرتير شخصي لصدام عندما نُشرت في الجرائد مقالات فحواها ان العديد من التحف العراقية النادرة التي يبلغ عمرها آلاف السنين قد سرقت وهُرِّبت خارج البلاد وبيعت بالملايين في السوق السوداء الدولية للآثار. كان اسم اللواء قد ذُكر في هذه الفضيحة التي انكرها اللواء ارشد عدة مرات، ولكن لأنه كان متزوجا من اخت صدام، نوال، فقد قدر له ان يبقي علي قيد الحياة، بعد عزله عن منصبه. كنا زهاء خمسة وعشرين طبيبا ممن أُمروا بالذهاب الي قصر الرئاسة ليتسلم كلٌّ منا واحدة من السيارات الباقية كمكافأة لنا علي خدماتنا في الحرب. كان ذلك بعدما تقرر عدم انعقاد قمة دول عدم الانحياز لعام 1982 في بغداد. وقد اكد صدام اهمية الدور الذي قمنا به «بالنسبة إلي الجنود والضباط في الجبهة، وبالنسبة إلي أسرهم التي كان عليهم ان يتركوها ليحاربوا العدو. ان الرجال من امثالكم هم الذين سيخلدون في تاريخ العراق، وليس رجال الاعمال واصحاب الملايين الذين لا يعنيهم سوي التربح». ثم سلم علي كلٍّ منا وصافحنا باليد، كما اخذت لنا صورة جماعية بجانبه. وعندما وصل إليّ، توقف بعض الوقت امام اسمي.
|
|
| |
عمادالعاشق مشرف
. : عدد المساهمات : 478 نقاط : 679 السٌّمعَة : 5
| موضوع: رد: مذكرات رجل كان مع صدام 9/2/2016, 11:13 pm | |
| سألني: «هل أنت بالمصادفة الفنان علاء بشير»؟ «شيء لا يعقل»، قالها صدام عندما اجبته انه انا. «لا تنصرف بعد ذلك لكي يمكننا التحدث سويا». لوحات وتماثيل بعدما انصرف بقية الاطباء، اخذ صدام يثني علي لوحاتي وتماثيلي ايما ثناء. لم يكن يعنيه في المقام الاول انني انا وزملائي في مستشفي الواسطي قد حققنا بعد اندلاع الحرب تقدما رائدا، وطورنا اساليب جديدة في مجال جراحة التجميل وجراحة اعادة التاهيل، وان ابحاثنا قد قُبلت ونشرت في الصحف العالمية البارزة. «طالما قرأت ان اطباء في اوروبا كانوا في الوقت نفسه من مشاهير الكتاب والموسيقيين والمثّالين. وعلي ما يبدو فان لدينا الآن لأول مرة في تاريخ العراق جراحا فذا وفنانا عظيما في الوقت نفسه. انا سعيد وفخور ان يكون في بلادنا شخص مثلك». وبعد ذلك بثلاثة ايام اتصل بي احد العاملين في مكتب صدام واخبرني اني قد صرت عضوا في فريق الاطباء الخاص بالرئيس.
|
|
| |
عمادالعاشق مشرف
. : عدد المساهمات : 478 نقاط : 679 السٌّمعَة : 5
| موضوع: رد: مذكرات رجل كان مع صدام 9/2/2016, 11:14 pm | |
| ############## الحلقة الثانية: ############## قتلوا وزير الصحة وهشموا جسده ونزعوا عينيه! 25 طبيباً كانوا يهتمون بصدام.. ويدفع قيمة استشاراتهم حتي لا يكون مديناً لأحد مأساة الحرب مع إيران عند التحاقي بفريق الأطباء الخاص بالرئيس، كان الفريق يتكون من عشرة من الأطباء المتخصصين الذين يتولون علاجه، هو وأفراد أسرته القريبين منه. وبالتدريج أصبحنا من عشرين إلي خمسة وعشرين طبيبا. كان صدام يهتم دائما اهتماما بالغا بأن يدفع قيمة الاستشارات والخدمات التي طلبها، إذ لم يكن يحب أن يكون مدينا لأحد بشيء. كان صدام يعبّر عن احترامه لي وتقديره في كل مناسبة ألتقيه فيها. كان يحميني من كل الذئاب المحيطة به، والذين كان ارتيابهم وعدم رضائهم عن أن احترامي لدي الرئيس يزداد يوما بعد يوم. كان ذلك له قيمة الذهب. كان هناك كثيرون لم يواتهم الحظ مثلي، ففي أثناء الحرب كانت قوات الأمن والمخابرات تقتفي أثر من يعارض الرئيس ونظامه أو من تظن فيه ذلك. وكانت هذه الأعمال تزداد ضراوة يوما بعد يوم. كان فايق ولائق وصادق ثلاثة من أقربائي، وقد تجاوز كلٌّ منهم العشرين من عمره. أخذوا ذات ليلة واتهموا بأنهم من المتضامنين مع حزب الدعوة الإسلامي المحظـور. لم يكـن هنــاك حديـث عن محاكمة لهم أو لغيرهم من الآلاف المؤلفة من العراقيين الذين كانوا يوارون بعد إعدامهم في المقابر الجماعية. الحفاظ علي السلطة كان وزير الإعلام والثقافة، الكمالي، واحدا من قليلين للغاية علي قمة الجهاز الحاكم ممن كانوا يحاولون الحد من أعمال التطهير هذه. كان واحدا من مؤسسي حزب البعث، وكان عضوا في القيادة القطرية. في أحد اجتماعات المجلس تساءل الكمالي عما إذا كان من الصواب قانونيا أن تظل المخابرات مصرة علي ما تقترفه من أعمال اعتقال وتعذيب للأبرياء من آباء وإخوة المتهمين من المعارضة التي لم تتمكن من إلقاء القبض عليهم. ثم قال: «إن هذا من شأنه أن يضر بسمعة الحزب والحكومة». كان صدام ينظر إليه ولم يقل شيئا، وبعد انتهاء الاجتماع أخذ صدامٌ الكماليَّ جانبا. «اسمع أيها الرفيق. إذا كنا نرغب حاليا ومستقبلا في الاحتفاظ بالسلطة في العراق، فيجب أن نحكّم العقل وليس العاطفة». ولم يمر وقت طويل حتي جاء وزير جديد للإعلام والثقافة في العراق. أما الكمالي فقد ألقي به في السجن، وكان يعاني هزالاً شديداً بعد إطلاق سراحه بعد بضعة أشهر. وقبل وفاته بفترة وجيزة حكي لي الكمالي عما كان يدور في القيادة القطرية. كانوا يتعقبون أناسا من جميع الطبقات ويقتلونهم دون تمييز، ذلك ما حدث للدكتور رياض إبراهيم أيضا. كان في رأيي أفضل وأذكي وزير صحة في العراق علي الإطلاق. كان واحدا من الأعضاء الأوائل في حزب البعث، وقد ألقي القبض عليه في عام 1958 بعد المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس عبد الكريم قاسم في بغداد، حيث كان قد ساعد في إخفاء الأسلحة التي استخدمها صدام حسين والمتآمرون معه في محاولة الاغتيال. لكنه خرج من ذلك الأمر بعقوبة السجن فقط. ولأن شأنه شأن كثيرين من الذين انضموا إلي حزب البعث، كان رياض رجلا مخلصا مستقيما. كان يؤمن بالأفكار الأساسية للحركة من تعاون بين الدول العربية وتقسيم عادل للأموال والثروات المعدنية. عرفته رجلا يهتم اهتماما حقيقيا بمصلحة الشعب العراقي، وقد منحه لقب الدكتوراه في الطب ـ الذي حصل عليه من إنكلترا ـ المقوماتُ التخصصية الضرورية التي بسببها تقلد منصب وزير الصحة. الانتقاد ثمنه القتل لكنه كان يحيا حياة خطرة. كان يسخر من غباء وعجز زملائه الوزراء، كما كان ينتقد هؤلاء الذين كانوا من الموافقين دائما في مجلس الشعب، ويتحدث عن الطرق الغريبة التي وصلوا بها إلي مناصبهم. وفي يوم من أيام صيف عام 1982 طُلب مني أن أذهب إلي وزير الصحة رياض إبراهيم في الوزارة. لم أكن أعرف سبب استدعائي، لكني عندما دخلت عليه في مكتبه، قال لي إن اثنين من رجاله سوف يصطحباني عما قريب إلي رجل له مكانة مهمة جدا. لم يصرح لي إبراهيم مَن يكون الرجل أو ما هو سبب المقابلة. «لا تتردد في أن تقول رأيك عندما تقابله، فأنت غير مقيد بشيء»، ذلك ما أكده لي وزير الصحة. أخذتني سيارة مرسيدس سوداء بزجاج غامق إلي بيت صغير واطئ في حي الجادرية. كان هناك من ينتظر قدومي. قُدم لي الشاي، وعلمت أن رئيس القسم المختص بسوريا في المخابرات هو الذي يرغب في إجراء هذا الاستجواب معي. عملية اغتيال في دمشق دخل علي الفور في الموضوع. «هناك سوري يقيم الآن في بغداد ونود أن نعيده إلي دمشق لينفذ عملية اغتيال هناك. لكن السلطات السورية تعرفه جيدا. لذلك نرجوك أن تغير ملامح وجهه تماما». شكرته علي ثقته الكبيرة في مهاراتي الجراحية، ولكني رفضت معتذرا. «ليس بمقدوري أن أنفذ هذه الرغبة، لأنها ضد مبادئي الشخصية وضد تصوراتي عن أخلاق المهنة». أجاب: «حسنا. فلتنس هذا اللقاء ولا تنبس بكلمة عنه لمخلوق أبدا». في صباح اليوم التالي توجهت إلي رياض إبراهيم وحكيت له عن هذا المطلب. «هل كنت تعلم بما سيطلبونه مني»؟ «نعم»، أجاب رياض مضيفا: «وقد أوضحت لهم أنك لن تقوم بشيء من هذا القبيل أبدا. لذلك فقد قلت لك بالأمس علي سبيل الاحتياط أنك حر في التصرف كما يحلو لك». كان في مقدورنا أن نتحدث بصراحة عن كل هذه المواضيع في مكتب رياض إبراهيم. أما عند بقية الوزراء فقد كان المعتاد تجنب الخوض في أحاديث تمس الدولة وأمنها. تزوير شهادة لا أعرف مَن مِن ذوي النفوذ العالي لم يعد يرغب في نهاية المطاف في بقاء رياض إبراهيم. فقبل أن يعزل عن منصبه في عام 1982، كان قد روي لي أن هيئة أركان الرئيس ترغب في إرسال طبيب بيطري إلي الخارج ليتخصص في الأساليب الوقائية في حالات التسمم. كان الطبيب البيطري قد حصل علي منحة في معهد طبي في الولايات المتحدة الأميركية، وما ينقصه الآن هو فقط أوراق من وزارة الصحة تشهد بأنه طبيب بشري وليس طبيبا بيطريا. ورفض الدكتور إبراهيم ذلك. «ستفقد وزارة الصحة للأبد مصداقيتها إذا وافقنا علي شيء من هذا القبيل»، ذلك ما قاله الوزير وهو في ثورة عارمة عندما اتصل به أحد العاملين في القصر الجمهوري، وسأله لماذا يستغرق الأمر وقتا طويلا حتي يجعلوا من الطبيب البيطري طبيبا بشريا؟! وسبق السيف العذل بسرعة فاقت تصورات رياض! وجهت له فجأة تهمة تحمل المسؤولية عن سلسلة من حالات الوفاة حُقن فيها المرضي في الوريد بكميات من كلوريد الكالسيوم عالية التركيز. وعُزل إبراهيم عن منصبه، وشكلت لجنة للتحقيق. وبعد ذلك بعدة أسابيع قُبض عليه وألقي به في السجن. بلا حراك! وقد زرته في داره قبل اعتقاله. كان مندهشا من حرسه الشخصي الذين كانوا لا يزالون يحرسون منزله، فقد كانوا عادة ما يسرعون إليه ليفتحوا له باب الجراج عندما كان يريد الخروج بسيارته الرسمية قبل عزله. وها هم الآن ساكنون في أكشاك حراستهم بلا حراك مثل الأصنام. ثم قال لي: «لقد كنت أحضر إليهم الطعام بنفسي كل ليلة». أجبته إنه ليس من المفروض أن يدهشه شيء هكذا، «فهؤلاء الناس علي هذه الشاكلة». ضحك رياض إبراهيم. وبعدها بعدة أسابيع اتهم بقضية الدواء وسجن. وقد برأت لجنة التحقيق الوزير من كل التهم المنسوبة إليه، فقد اتضح أن صلاحية كلوريد الكالسيوم المصنوع في شركة أدوية فرنسية لم تكن قد انتهت، لكن نسبة تركيز كلوريد الكالسيوم في المحلول كانت أعلي من النسبة المعتادة، ولم يعرف العاملون في المستشفي أن المحلول كان يجب أن يخفف قبل أن يأخذه المريض كما تنص علي ذلك نشرة التعليمات. لكن نتيجة التحقيق لم تجدِ شيئا. فقد قُتل إبراهيم بعد ستة أسابيع من بقائه في السجن. كنت قد زرت زوجته قبل أن يقتله النظام بيومين للاستفسار عنه، فقالت إنها استلمت رسالة كتبها زوجها علي قصاصة من الورق واستطاع أن يهربها من السجن. كان مكتوبا فيها أنه سعيد لأنه سيري زوجته وأولاده مرة أخري بعد أن ثبت أن الاتهامات الموجهة إليه لا أساس لها من الصحة. وأضاف أن الرئيس سيطلق سراحه في اليوم التالي فور أن يتسلم تقرير اللجنة ويقرأه.
|
|
| |
عمادالعاشق مشرف
. : عدد المساهمات : 478 نقاط : 679 السٌّمعَة : 5
| موضوع: رد: مذكرات رجل كان مع صدام 9/2/2016, 11:15 pm | |
|
نزع العينين تولي أخوه أمر الجنازة مع الدكتور غازي الهبش، وهو من أنبل الأطباء الذين عرفتهم، والذي أخبرني بأن فك الدكتور رياض إبراهيم كان مهشما، وأن جسمه كانت تغطيه البقع الزرقاء. كما روي لي أن النيران قد أطلقت عليه من مكان قريب جدا، فأصابته رصاصة في رأسه، وفي منطقة الحوض وفي فخذه. كما انُتزعت عيناه. كان مستشفي ابن الهيثم في بغداد يتلقي دائما مددا طازجا من ضحايا الإعدامات، وقد أنقذ قسم العيون في المستشفي كثيرا من المرضي المصابين في قرنياتهم من أن يفقدوا نور أعينهم عن طريق استبدالها بقرنية تم التبرع بها! في بغداد كانت هناك كثير من الاشاعات حول من قام بقتل رياض إبراهيم. كانت أكثر الاشاعات خيالية تلك التي تقول ان صدام هو الذي أطلق عليه النيران بنفسه بعد أن طلب منه في أحد الاجتماعات الحكومية أن يذهب معه إلي الدهليز للحظة. لكن من المستبعد أن يكون رياض إبراهيم قد اشترك في اجتماع كهذا، لأنه كان قد عزل عن منصبه كوزير للصحة قبل مقتله بعدة أسابيع. كانت هناك اشاعة أخري تقول ان برزان التكريتي، وهو الأخ غير الشقيق لصدام، هو الذي قتل رياض إبراهيم. كان برزان يتقلد آنذاك منصب رئيس المخابرات عندما قتل رياض. في عام 1985 أتي إليّ برزان في مستشفي الواسطي لأجري له عملية بسيطة، وبعد ذلك تحدثنا سويا لبعض الوقت. أشرت إلي الأجهزة الحديثة في غرفة العمليات. قلت إن الفضل في حصولي علي هذه الأجهزة يرجع إلي الدكتور إبراهيم. أجاب برزان: «كان إعدامه خطأ فادحا وجريمة وخسارة كبيرة للحزب والعراق». لكن أخا صدام غير الشقيق لم يكن يرغب في الحديث أكثر من ذلك عن هذه القضية. وظل الأمر كذلك في جميع أحاديثنا الطويلة التي جمعتنا بعد ذلك. لم يكن الدكتور إبراهيم الشخص الوحيد من بين زملائي الذي دفع حياته ثمنا لصراحته. فقد صُفي كلٌّ من زميليَّ الماهرين الدكتور هشام السلمان، والدكتور إسماعيل التاتار، حيث لم يكن لدي كل منهما القدرة علي الإمساك بلسانه. كان التاتار طبيب أمراض جلدية، وكان واحدا من الفريق الطبي الخاص بالرئيس. أما السلمان فقد كان واحدا من أفضل أطباء الأطفال في العراق. نكات بريئة وفي أحد الاحتفالات التي كان يعمها جو من الفرح والمرح، ألقي الطبيبان بعض النكات البريئة التي لا تخلو مع ذلك من إيحاءات خادشة للحياء العام عن صدام حسين، وكانت عن تطبيق قواعد جديدة أكثر صرامة لمكافحة الإيدز. كان كل منهما معروفا بحبه للدعابة دون تحفظ، لكنهما لم يعرفا أن واحدا من المشاركين في الاحتفال كان ممن يتعاونون بشكل واضح مع رجال الأمن، حيث سلط كاميرا الفيديو الخاصة به عليهما خلسة. أحضر التسـجيل إلي الرئيـس الـذي أمر علي الفور بإعدام كلا الطبيبين لأنهما شهرا به. لا للتدوين اعتدت علي تدوين كثير من الأحاديث التي كنت أجريها مع الضحايا من الشباب الذين كانوا يأتوننا من الجبهة. لكنني أدركت مع مرور الوقت أنني ألعب بالنار، فقمت بإحراق جميع المذكرات قبيل نهاية الحرب حتي لا أدخل في مغامرة لا داعي لها، فسقوط هذه الروايات في أيدي المخابرات ومخبري الشرطة السرية الذين لا حصر لهم كان سيعني الموت المحقق. فقط عندما كانت الوفود الرسمية بصحبة مرافقيها من الصحافيين تأتي إلي مستشفي الواسطي لمنح المرضي جوائز لشجاعتهم، كان المرضي يمتلئون بالعزيمة القتالية، والرغبة العارمة في العودة إلي الجبهة ليقاتلوا الإيرانيين من جديد. وفيما عدا ذلك كانت الروح المعنوية للمرضي منخفضة للغاية. وعندما كان الجنود والضباط ينفردون بي، كانوا يتحدثون بصراحة وباطمئنان، فقد كانت أهوال المعارك بعيدة كل البعد عن المستشفي، وكانوا علي ثقة بأن أحاديثنا ستخضع لواجب الصمت تجاه أسرار المرضي. كانت أغلبيتهم الساحقة ضد الحرب، فلم يكن في مقدورهم تفهم السبب في أنهم يقاتلون مسلمين مثلهم. هدف.. واحد في عام 1983 قمت بإجراء عملية جراحية لمصور كنت أعرفه جيدا. كانت قد أصابته رصاصة في يده اليمني، وبعد أن تماثل للشفاء أرسل إلي الجبهة ثانية. في صيف عام 1985 اشترك في واحدة من أكثر المعارك دموية في الأراضي الإيرانية، ليس بعيدا عن نفط خانة. اندلعت المعارك في منتصف الليل، وتكبدت كتيبة المصورين خسائر فادحة، ولكن هذا المصور تمكن من الاختباء هو وجندي آخر في أحد الخنادق، حيث رقدا في صمت وسكون آملين ألا يُكتشف وجودهما. وسرعان ما قفز جنديان آخران في الخندق، ليتلوهما ثلاثة آخرون. كان الظلام دامسا حتي أنه لم يكن في مقدور أحدهم أن يري يديه هو نفسه. ولم يجرؤ أحدهم علي الهمس مخافة أن يسمعهم جنود الأعداء ويكتشفوا مكانهم. وعندما طلع الصباح تبين أن اثنين ممن اختبآ معهم في الخندق كانا من الجنود الإيرانيين، وأن الثلاثة الآخرين كانوا عراقيين. «نحن جميعنا مسلمون، ولا يجوز أن يقتل كلٌّ منا الآخر»، كان ذلك ما قاله الإيرانيون. هرب الإيرانيون، وكذا فعل العراقيون. معرض فني في فبراير من عام 1984 أقمت في الوقت نفسه معرضا فنيا في غاليري الرواق في شارع سعدون في وسط بغداد، حيث تناولته الصحف والبرامج التلفزيونية بالعرض تفصيليا. وذات يوم سألني أحد المرضي أثناء الكشف عليه في مستشفي الواسطي، وكان يدعي «كريم»، يسكن مدينة صدام التي تسمي اليوم مدينة الصدر، عما إذا كان يمكنه الحصول علي نسخة من كتالوغ المعرض مذيلا بتوقيعي. اندهشت، فلقد كان غريبا أن يفكر أحد الجرحي العائدين من الجبهة في الفن، ناهيك عن الفن الحديث. لكن كريما كان قد قرأ المقالة الخاصة بالمعرض في الجريدة، وشاهد صورة لإحدي لوحاتي: حجرة خالية بها نافذة صغيرة، يتخللها شعاع خافت من ضوء الشمس سقط علي رأس رجل مغلف بقطعة من القماش، ومعلق في السقف. وفي نهاية الحجرة يوجد باب يقود إلي حجرة جانبية، ومنها إلي حجرة أخري، وهكذا دواليك حتي يقود الباب الأخير إلي مشهد طبيعي خلاب، سماؤه تامة الصفاء كان كريـم من أبطال الحرب، حيث حصل تقديرا لعملياته في أرض العدو علي ما لا يقل عن خمسة أنواط للشجاعة. كان قد أصيب بطلق ناري في ساقه اليمني، وكان عليَّ أن أنقل بعض الأنسجة الجلدية من فخذه، وبعض العضلات من ظهره، لأسد بها الفجوات في النسيج المتهتك والناجمة عن الطلق الناري أطلق النار علي نفسه حققت العملية نجاحا أكبر من المتوقع. وبعد أن ظل كريم راقدا في المستشفي لمدة ثلاثة أسابيع تمكن من السير مرة أخري، وخرج من المستشفي. لذلك تملكتني الدهشة عندما وجدته يترقب ظهوري أمام المدخل الرئيسي لمستشفي الواسطي بعدها بستة أسابيع. سألته: «هل عاودتك المتاعب في ساقك»؟ أجاب كريم: «لا، لكنني أود أن تقرأ هذا». أعطاني ورقة كتب عليها قصيدة يمتدحني فيها كطبيب وفنان. كان مكتوبا عليها في أسفلها أنه يريد الاعتراف بشيء ما، ويريد أن يتحدث معي علي انفراد. وافقت ودعوته لدخول مكتبي. قال كريم: «منذ رأيت لوحتك لم أذق للراحة طعما. لقد أعياني الشعور بالذنب، وتأنيب الضمير. إن النتائج المترتبة علي ما سأقصه عليك الآن لم تعد تهمني في شيء». أجبته إن ما سوف يعترف به لن يطلع عليه سوي الله وسواي. قال كريم: «لقد أطلقت النار بنفسي علي ساقي». في نهاية الأمر لم يستطع التحمل أكثر من ذلك. لم يكن يخشي مواصلة القتال، فقد كان شجاعا مقداما. أفضل دليل علي ذلك هو أنواط الشجاعة التي حصل عليها. لكنه كان يشعر أن إرادته قد خانته تماما، فلم يعد يتحمل فكرة مواصلة القتال أكثر من ذلك. كان يرقد في الخندق ويصارع نفسه، في حين كانت الوحدة التابع لها تعد لإجراء توغل جديد في المواقع الإيرانية التي كانت تبعد بضع مئات من الأمتار. وبعدما صدرت الأوامر وبدأ زملاؤه الهجوم وشعر فجأة أنه لم يعد يستطيع التحمل. «صعدت إلي ما يزيد علي حافة الخندق، وأطلقت أنا نفسي الرصاص من بندقيتي الكلاشينكوف علي ساقي. لا بد أن عدد الطلقات كان قد تعدي عشر طلقات». رد فعل إنساني فقد كريم الوعي، ونُقل إلي مستشفي عسكري في مدينة الكوت في منتصف الطريق بين البصرة وبغداد، حيث عاد إلي وعيه مرة أخري. وهناك نُقل إلي مستشفي الواسطي بصفته بطل حرب. قال لي: «يمكنك أن تروي ما حكيته لك للسلطات». بدا عليه أنه باعترافه هذا قد حطم كل جسور الخوف بداخله. قلت له إن هذه التجربة التي عاشها ما هي إلا رد فعل إنساني طبيعي، وأضفت أنه أمر جيد أن يدرك بنفسه أنه ربما كان عليه أن يتصرف بشكل آخر. «لكن هذا الأمر الذي تحدثنا عنه سيبقي بيننا نحن الاثنين وبين الله. لن يعلم به شخص آخر. لا تخش شيئا»، كان ذلك ما وعدته به. وفي يوليو من عام 1984 وصل إلينا جاويش مصاب بحروق في المنطقة القطنية. لم يخطر علي بال أحد في المستشفي الميداني البدائي الذي وصل إليه في بادئ الأمر أن يديره في السرير علي جنبه الآخر، إذ لم يكن بمقدوره الحركة حيث أصابته رصاصة في النخاع بالشلل في المنطقة القطنية. كان مسقط رأسه محافظة الديوانية في وسط العراق، وكان يبلغ من العمر أربعة وعشرين عاما. كان قوي البنية، مفتول العضلات، وكان أحد أفراد سرية العمليات الخاصة التابعة لواحدة من وحدات القوات الخاصة في الجيش العراقي. مهمة خطيرة طلبت منه أن يقص عليَّ ما حدث، وعلمت أنه كان وأربعة من الجنود الآخرين من فريق الاستطلاع التابع للقوات الخاصة في قارب مطاطي في واحدة من أكبر مناطق الأهوار في جنوب العراق. كانت مهمة شديدة الخطورة. وكان واحد من الأربعة صديقا حميما له، حيث كانا من القرية نفسها، وكانا يجلسان في الفصل نفسه في المدرسة الابتدائية، وفي المدرسة الثانوية، كما تقدما سويا في الوقت نفسه لأداء الخدمة العسكرية، وقد اجتاز كلٌّ منهما اختبارات القبول التي تتطلب لياقة بدنية عالية، وقُبلا في وحدة العمليات الخاصة التي كانت تحظي بمكانة رفيعة. وفي نهاية المطاف انتهي بهما الأمر إلي السرية نفسها التي تحركت بعد منتصف الليل بقليل لتنفيذ مهمتها الخطرة بالقرب من خطوط العدو في منطقة الأهوار. شــرب.. الــدم تمكنوا لفترة طويلة من الاختباء في القصب الكثيف، ولكن بعد عدة ساعات اكتُشف موقعهم وأطلقت عليهم النيران. كان هذا الجاويش أول من أصيب، وفقد الوعي علي أثر ذلك. وعندما أفاق، اكتشف أنه ليس بمقدوره تحريك ساقيه. وفي أثناء ذلك كان الصبح قد بزغ، وكان القارب المطاطي يرقد في القاع علي عمق نصف المتر. أما الأربعة الباقون الذين كانوا معه في القارب فقد طفت جثثهم في مياه الهور بين سيقان القصب الكثيف، وكان صديق عمره يبعد عنه بمقدار ذراع. ارتفعت الشمس في كبد السماء وارتفعت معها درجة الحرارة. كانت درجة الحرارة علي الأقل خمسين درجة مئوية في الظل، إذا كان هناك ظل. نفد ماء الشرب الذي كان مع الجاويش. وكانت قربة المياه الخاصة بصديقه التي وصل إليها بعد عناء قد ثقبتها رصاصتان. كانت فارغة. إذا كان يريد النجاة فعليه أن يشرب من ماء الهور الذي كان قد اصطبغ باللون الأحمر، لون دماء صاحبه. في النهاية أصبح لا يقدر علي تحمل العطش، ولم يعد يستطيع أن يسيطر علي نفسه. شرب، وكان يحاول في أثناء ذلك يائسا بما تبقي عنده من قدر يسير من القوة أن يدفع زميله، ودمه، بعيدا عنه. «لم يجهزنا أحد لمثل هذا عندما أنهينا تدريبنا في القوات الخاصة، ذلك ما قاله لي الجاويش. الزمن وحده أجبرنا علي شرب دماء أصدقائنا. كان سلوك الجاويش حريا بالإعجاب في مجالات عديدة. كان قد تزوج قبيل الحرب ابنة عمه التي تبلغ من العمر ثمانية عشر ربيعا. كانت رائعة الجمال. ولم يكن لهما أولاد بعد. عندما جاء والده ليزوره، طلب الجاويش منه أن يطلب من زوجته رفع دعوي للطلاق. إذا لم تقم هي بذلك، فسأفعله أنا لم يكن هذا يعني أنه لم يعد يحبها، بل علي العكس، فقد كان يحلم طيلة الوقت بها. لكنه لم يكن يرغب في أن تزوره. «لا يمكن أن أجعلها تخدمني طيلة حياتي. فلو فعلت ذلك، لكان جرما مني حقا». كان مثل هذا التفكير غير مسبوق في المجتمع القبلي في وسط العراق الذي نشأ فيه هذا الجاويش، فما كان واحد من المرضي الآخرين الذين لقي الآلاف منهم المصير نفسه ليقول شيئا من هذا القبيل، إذ كانت مثل هذه الأفكار غريبة علي المجتمع القبلي التقليدي في وسط العراق. لقد كان شابا نبيلا وشهما واستثنائيا حقا!
|
|
| |
عمادالعاشق مشرف
. : عدد المساهمات : 478 نقاط : 679 السٌّمعَة : 5
| موضوع: رد: مذكرات رجل كان مع صدام 9/2/2016, 11:16 pm | |
| ############## الحلقة الثالثة: ############## صدام لم يكن يهمه عدد القتلي إنما دحر الأعداء كان صدام يتطير بمجرد أن يشاهد شيئا يعتبره نذير شؤم.. فيعود حرب بلا نصر كان صدام يتوجه من حين لآخر إلي الجبهة، ولكن هذا لم يكن أبدا يعني أنه بالضرورة سيصل إلي هناك، فقد كان صدام ـ شأنه شأن أقاربه القريبين ـ متطيرا، فإذا رأي قطة سوداء فجأة في الطريق فإن ذلك من شأنه أن يجعله يغير مسار موكب السيارات الخاص بـه ويأمـر بالعودة إلي بغداد. كانت حتي رؤية كيس بلاستيك يهفهف في وسط الشارع تُعد نذير شؤم بالنسبة لصدام، وتجعله يعود دون أن ينجز ما كان يعتزمه. تبديل أمني كان يبدل السيارة التي يستقلها باستمرار، فكان أحيانا يجلس في آخر سيارة، ثم يعود ليجلس في سيارة في منتصف الموكب. وكان يحدث أيضا أن تصطحبه طائرة مروحية من منتصف الطريق وتطير به إلي هدفه. كان لا يقضي وقتا طويلا في مكان واحد في الجبهة. وقد حدث أن قُصف ذات ليلة مركزين للقيادة بالقنابل، كان صدام قد زارهما الواحد تلو الآخر. حدث ذلك فور مغادرة صدام، فإن الحذر الشديد والشك كانا حليفيه طيلة حياته. كان صدام عادة ما يأخذ معه صباح مرزا في زياراته لبعض المواقع علي الجبهة. كان مرزا رئيس الحرس الشخصي لصدام، وكان علي سبيل التغيير يأخذ استراحة لبعض الوقت من واجبه في هذه الزيارات بأن يشارك في واحدة من فرق الإعدام التي كانت تطلق الرصاص علي الجنود الذين تجرأوا علي الانسحاب من تلقاء أنفسهم، أو علي الفرار إلي صفوف العدو. كان صدام يزور من الحين الي الآخر المستشفيات العسكرية والجنود المصابين، لكنه لم يكن يهتم كثيرا بالأطباء الذين كانوا يصارعون ليلا ونهارا، وعاما بعد عام، من أجل حياة وأجساد ضحايا الحرب. كان ينظر إلي مهنة الطبيب باستعلاء، شأنه شأن إخوته الثلاثة وطبان وسبعاوي وبرزان. عقدة من الأطباء واعتقد أن الاستياء الذي كان الرئيس يشعر به تجاه الأطباء له ارتباط وثيق بما كان من بعض الأطباء الذين رفضوا مساعدة صدام بعد محاولته الفاشلة لاغتيال عبدالكريم قاسم في عام 1959، مما اضطره إلي أن يستخرج الرصاصة التي أصابته في بطن ساقه بنفسه بموسي حلاقة. منافع شخصية «إن الأطباء ينظرون دائما إلي مصلحتهم الشخصية، فهم في صراع دائم أيهم يمكنه أن يحقق أكبر قدر ممكن من الثراء»، ذلك ما قاله لي الرئيس في أحد الأحاديث الودية التي دارت بيننا في بداية تعارفنا. «إنهم غير صادقين في معظم الأحيان»، قالها صدام مضيفا:«عندما يحاولون أن يصبحوا أصدقاءك، فإنهم لا يفعلون ذلك إلا لأنهم يأملون في منفعة شخصية. خاصة إذا كنت شخصا ذا نفوذ وسلطة فإنهم يستغلون صداقتك في التربح». ذات يوم وصل صدام في الصباح المبكر إلي مستشفي الكرخ في بغداد. كان ذلك قبل تغيير نوبة الأطباء بربع ساعة، وطلب من الطبيب الذي يعمل في نوبة الليل أن يعطيه قائمة بأسماء الأطباء الذين سيحلون محله. تلقي جميع الأطباء الذين وصلوا متأخرين، حتي إذا كان هذا التأخير لمدة خمس دقائق فقط، الأمر بأنه لا يرغب في رؤيتهم في العام التالي في المستشفي. حدث ذلك الأمر لستة أو سبعة من زملائي. كان لدي معظمهم عذر قهري منعهم من الوصول في موعدهم، فقد كان لديهم ما يقومون به في مستشفيات أخري في بغداد. كما كانت القائمة التي أعطاها طبيب الخدمة الليلية لصدام غير صحيحة. فكتبوا خطابا للرئيس وشرحوا فيه ما حدث من لبس، لكن من دون جدوي. هكذا كان الحال مع صدام، إذا اتخذ قرارا، فإنه لا يرجع فيه، ولا يعنيه إذا كان محقا أو مخطئا في هذا القرار. أستاذ أم رئيس؟ ربما لن ينسي أحد الأطباء في مستشفي الكرخ هذا الصباح طيلة حياته. فقد تقدم نحو الرئيس ومعطفه غير مزرر وسماعته تتأرجح حول رقبته هنا وهناك. وإذا كان هناك شيء لا يتحمله صدام، فكان ذلك هو السلوك غير اللائق في حضوره. لكن حدث ما هو أسوأ من ذلك. فقد خاطب الطبيب الشاب الرئيس بلقب «أستاذ». «هل خاطبتني بـ «أستاذ» أم بالرئيس»؟، سأله صدام مستنكرا. «أنـا آسف يا سيدي الرئيس. فقد اعتقدت أنني استخدمت صيغة الخطاب المناسبة». أخذ الطبيب الشاب في عصر ذلك اليوم، وألقي به في السجن لمدة ستة أشهر. في منتصف الحرب التي استمرت ثمانية أعوام قتلت عروس يافعة في ليلة الزفاف في هجوم إيراني بالقنابل علي مدينة مندلي في شرق العراق. كانت ساقاها وذراعاها مبتورة عندما عثر عليها هي والعريس الذي لقي حتفه أيضا. مسابقة المأساة أقام صدام مسابقة، دعي فيها فنانو العراق للتعبير عن هذه المأساة، علي أن يكون التصوير تمثيليا تماما. كان عليهم أن يصوروا السيدة الشابة في ملابس الزفاف من دون ذراعين أو ساقين، حتي يمكن للأجيال القادمة في جميع العصور أن تعي دون صعوبة هذه الشهادة الفريدة علي وحشية الإيرانيين. كان يظهر كل ليلة في التلفزيون العراقي بعض الفنانين الذين كانوا يقدمون لصدام أعمالهم المشاركة في المسابقة، غير أن الرئيس لم يكن راضيا عن أي منها، وهو ما أظهره علي شاشة التلفزيون. لكنه اقتنع بعمل قدمه النحات سهيل الهنداوي. في وقت المسابقة نفسه كنت أقيم معرضا فنيا جديدا في غاليري الرواق. كنت قد أطلقت علي إحدي اللوحات اسم «الشََّهَادة». كانت تظهر في اللوحة صحراء وسماء. كانت هناك قدمان مبتورتان عند الكاحلين تبرزان من الرمال. كان هناك نبات به بعض الأوراق ينمو بينهما. ورسمت أمام السماء يدين مبتورتين أيضا. كانت الأصابع بعيدة عن بعضها. عندما يتأمل المرء اللوحة، يبدو الأمر كما لو كان هناك إنسان يقف رافعا ذراعيه نحو السماء في الصحراء، لكنه بلا جسد. صهره سارق آثار زار المعرض اللواء أرشد ياسين الذي لم يكن قد تعرض بعد لمشاكل بسبب ولعه بالآثار العراقية القديمة، ولذلك كان لا يزال يحتفظ بمنصب السكرتير الخاص لصهره. ويبدو أن ما رآه هناك قد أعجبه أيما إعجاب، فقد اتصل بي بعد ذلك بيومين وطلب مني أن أحضر اللوحة إلي صدام الذي يود رؤيتي. كان الرئيس لتوه في نقاش مع بعض اللواءات العائدين من الجبهة. اضطررت أن أنتظر لمدة ساعة في مكتب ياسين حتي جاء صدام. قال إنه يؤسفه أنني انتظرته، ثم وقف طويلا أمام «الشَّهَادة». «إنه لعمل فني قوي ومعبر»، قال ذلك صدام مضيفا: «لقد تركت الجسم واحتفظت بما فقدته العروس الشابة». أردت أن أعترض قائلا إنني لم أكن أستدعيها في ذهني عندما رسمت اللوحة قبل المسابقة بفترة طويلة، لكنه لم يتح لي فرصة لذلك. قال صدام: «إنها واضحة تماما ولا تحتاج إلي توضيح منك». طلبت بالرغم من ذلك أن يسمح لي بأن أقول شيئا عن الحرب والشهداء، وعندما أومأ، قلت إن هذا الذي ربما نراه، ليس بالضرورة مطابقا للواقع. وما يقوله الناس، ليس دائما حقيقيا. «إن أهم شيء أن نفهم ما لا نراه أو لا نسمعه». لم أجرؤ علي مواصلة محاولتي في أن أوضح لصدام أن المعلومات التي تلقاها من اللواءات والمقربين من أعوانه عن مجري الحرب ليس لها علاقة بالواقع الذي أراه كل يوم في المستشفي العسكري. قلت: «إن الشهيد هو الذي يصمد من أجل شيء يؤمن به، وهو الذي يضحي من أجل الآخرين. لذلك يَسمون عن الأرض إلي السماء». صمت صدام. شعرت أنه لا ينصت إليّ. هدف واحد عندما أردت الذهاب، قال لي: «ليس لدينا الآن وقت في منتصف الحرب لأن نحصي قتلانا وجرحانا. يجب أن نركز علي هدف واحد لا غير، وهو أن ندحر الأعداء وأن نخرج منتصرين من المعركة. وعندما نصل إلي هذا الهدف ونحقق النصر، يكون بمقدورنا أن نحصي الخسائر التي تكبدناها ونرعي الجرحي بالأسلوب الأمثل». ثم عاد مرة أخري إلي اللواءات. عندما اصطحبني اللواء ياسين إلي الخارج، أسرع خلفي واحد من حرس صدام الشخصي ومعه علبة صغيرة. كانت هدية لي من الرئيس، ساعة يد رخيصة. كانت صورة صدام علي ميناء الساعة. احتفظ لنفسه بـ «الشهادة». لكن علي ما يبدو كان يتم إحصاء من سقطوا في الحرب.
|
|
| |
عمادالعاشق مشرف
. : عدد المساهمات : 478 نقاط : 679 السٌّمعَة : 5
| موضوع: رد: مذكرات رجل كان مع صدام 9/2/2016, 11:16 pm | |
| جندي من دون أذن في أثناء المعارك الضارية التي دارت في منطقة الحدود في أواخر عام 1983، وبدايات عام 1984 بالقرب من المدينة الإيرانية البسيتين، أحضر جندي إلي مستشفي الواسطي وأذنه اليسري مبتورة تماما. سألته كيف حدث هذا. أجاب أن الضباط والجنود في وحدته كانوا قد وقعوا في كمين، حيث حاصرهم العدو وحصد أرواحهم حصدا. وأضاف إنه قد تم إعدام كثير من الأسري العراقيين في تلك المعركة. «حتي عنــدما كنـا نرفع أيدينا ونصيح بأننا نريد الاستسلام، كان الإيرانيون لا يتوقفون عن القصف». كان الظلام دامسا، فقد كان ذلك في الثالثة فجرا. تظاهر الجندي بأنه قد أصيب وزحف تحت اثنين من زملائه الموتي. في أعقاب ذلك بدأ الجنود الإيرانيون في الانسحاب تحسبا لهجوم عراقي مضاد. غير أن أحدهم بقي، كان يسير بين الجثث وفي إحدي يديه مصباح جيب، وفي اليد الأخري مدية. كان قد علّق جرابا مفتوحا في حزامه. «رأيته يسلط الضوء علي الجنود القتلي، واحدا وراء الآخر ويمثل بهم. كان يضع الأذن في الجراب الصغير». أذن من كل جثة عراقية. هكذا كان يمكن أن يعبروا بالأرقام عن مدي نجاح الكمين الذي نصبوه. «ثم قطع من كل جثة من جثتي الزميلين اللذين كنت قد اختبأت تحتهما أذنا. لم يلفت انتباهه أني ما زلت علي قيد الحياة عندما حان الدور عليّ، فقد كان الظلام دامسا في آخر الأمر، وعلي ما يبدو فإنه لم يكن لديه فسحة من الوقت». استدعي واحد من أبناء أعمامي كمجند احتياط. كان عليه أن يؤدي الخدمة في مشرحة مستشفي الرشيد العسكري في بغداد، حيث كانوا يأتون بالقتلي من الضباط والجنود من الجبهة الممتدة التي تجري فيها الدماء أنهارا. كانوا يأتون بهم علي شاحنات: أجسام ممزقة، رؤوس مفصولة عن الأجساد، أذرع وسيقان كثيرة كومت بعضها فوق بعض. كانت مهمة ابن عمي أن يتعرف علي الضحايا ويضع كل واحد في نعش خاص به، ثم يرسله إلي أسرته. لكن هذا لم يكن سهلا بالمرة. فأن تجد الرأس المناسب لكل جثة، ثم الأذرع والسيقان الخاصة بها، كان مثله مثل اللغز الصعب الذي عليك أن تحله وتجمع أجزاءه، وكل ذلك في وقت وجيز. شحنات أخري «كنا نبذل قصاري جهدنا قبل أن ندق المسامير في غطاء النعش. لكنه كثيرا ما كان يحدث أن نرسل ساقين يمنيين أو ذراعين يسريين إلي أسر الضحايا. كنا نعمل بلا انقطاع حتي تأتي الشحنة الأخري». ذات يوم سألني عما إذا كان يمكنني عن طريق علاقاتي أن يحصل علي نقل في مكان آخر، بما فيها أسوأ الأماكن في الجبهة. لم يعد يتحمل أكثر من ذلك. نجحت في نقله إلي مكان آخر ليس علي هذه الدرجة من الكآبة في مستشفي عسكري آخر. لكنه لم يعد أبدا كما كان قبل الحرب، كما أصيب بمشاكل نفسية عصيبة بعد نهاية الحرب. كانت النعوش تغطي بالأعلام العراقية، عندما كان يتم نقل الشهداء الذين سقطوا في الحرب إلي مدافنهم. كان هذا مشهدا يوميا في بغداد والبصرة والناصرية وكربلاء والكوت والحلة وسامراء وتكريت والموصل وجميع القري والمدن في العراق. فلا يكاد يخلو حي من الأحياء من خيمة العزاء التي أقامها الأقارب حتي يتسني للقريب والبعيد من الأهل والجيران والأصدقاء أن يقدموا العزاء ويقرأوا الفاتحة للمتوفي. في جميع الشوارع تقريبا كانت تعلق الأشرطة السوداء علي جدران المنازل، وقد كتب عليها اسم الأبناء القتلي باللون الأبيض. .. ومر الصاروخ في ذات يوم كنت أستقل سيارتي أنا وزوجتي وابنتي الصغيرة في بغداد. كنا نسير خلف سيارتين تحمل كل منهما نعشا فوقها. نظرت ابنتي إليهما ثم قالت إنها تتمني أن تموت هي الأخري. «لم أعد أتحمل أن أري ذلك كل يوم»، ذلك ما قالته. أخذت زوجتي تبكي. «كيف لها أن تفكر بهذه الطريقة؟ إنها لم تتجاوز السادسة بعد». في هذه اللحظة مر صاروخ إيراني من فوق رؤوسنا. سقط قريبا للغاية من فندق الرشيد وانفجر. تأرجحت سيارتنا من شدة الضغط الجوي. لقد كتب الله تعالي لنا النجاة. في شهر مايو من عام 1985 جاء لي فريق من التلفزيون العراقي ليجري معي حوارا حول أعمالي كفنان وحول الإنجازات العظيمة التي أحرزناها في مجال الجراحة في مستشفي الواسطي والتي استخدمناها في علاج الآلاف المؤلفة من الضباط والجنود المصابين إصابات خطيرة الذين كانوا يأتوننا من الجبهة. كانت السيدة التي ستجري معي الحوار من أفضل المذيعات في العراق، وأكثرهن شهرة. تم التصوير في الأتيليه الخاص بي. كنت قد انتهيت لتوي من لوحة رجل يحاول أن يمنع طائرا كبيرا من أن ينقره في وجهه. كان يمسك بالطائر من جناحيه فوق رأسه. كانت الألوان المستخدمة في اللوحة هي اللون الأحمر واللون الأسود. سألتني المذيعة: «ماذا يفعل هذا الطائر الجارح»؟ أجبت إن الفكرة هنا تمثل صراع الإنسان مع القدر. «يتضح من اللوحة أن القدر هو الذي سينتصر. فالرجل لن يتمكن من أن يظل رافعا ذراعيه لأعلي لفترة طويلة». «فهو إذن الخاسر»؟، ذلك ما سألتني إياه. «نعم. إنه ينهزم عندما يموت. لكن الحياة تسير وتتقدم. هذا ما يعطي الحياة معناها». «لكن لا مجال للادعاء بأنك لا تعبأ بالحياة»؟ «في الواقع يوجد دائما قَدْر من المرارة، شئنا أم أبينا». قلت لها ذلك، مذكرا إياها بالملاكم الأميركي الشهير محمد علي الذي سئل ذات مرة عما إذا كان لا يزال يعد نفسه الأسرع والأقوي في هذا العالم. أجاب بطل الوزن الثقيل: «لقد اكتشفت أن الزمن أكثر قوة وسرعة وبقاء». وأضفت من جانبي أنه بمقدور الوقت فقط أن يعلمنا حقائق الحياة أو علي الأقل جزءا منها. «ما دمنا شبابا وأقوياء وأغنياء وذوي نفوذ، فإننا ننسي كم نحن ضعفاء، وعندنا قابلية لأن نُجرح. هذه هي مأساة البشرية». طلبت المذيعة من المصور أن يصور عديدا من اللوحات الأخري المعلقة علي حوائط الأتيليه. كان هناك كثير منها، فبعد فترة وجيزة كنت سأقيم معرضا جديدا. «إن الناس الذين تحدثت إليهم يجدون لوحاتك تبعث علي الكآبة». «إن واجبي ليس إضحاك الناس أو نقل مشاعر السعادة للناس بأن أخفي عنهم حقيقة الحياة». «هل تقرأ الشعر؟ هل يمكنك أن تلقي شيئا علينا»؟، كان ذلك هو سؤالها التالي. أجبت أني أحمل بداخلي دائما بيتا للشاعر العراقي العظيم المتنبي الذي توفي منذ كذا ألف عام. خطأ المذيعة ثم ارتكبت المذيعة خطأ ولكنها لم تدركه إلا فيما بعد. «أنت جراح تجميل وتقوم دائما بعمليات زرع شعر. لماذا لم تزرع لنفسك شعرا فأنت لم يعد لديك كثير من الشعر»؟ «لم يشكل هذا الأمر مطلقا مشكلة بالنسبة لي. بصراحة أنا لا أفكر في هذا الأمر مطلقا». «لكن ألا تري نفسك كل يوم في المرآة»؟ «بلي، لكن فقط للحلاقة، وليس لأتأمل نفسي بإعجاب، إذا كان ذلك ما تقصدين». في اليوم التالي اتصل بي سكرتير الرئيس. «لقد أعجب سيادته بالحوار، ويود أن يراك بشدة». في الحجرة المؤدية إلي حجرة صدام عرفت أنه قد شاهد البرنامج من أوله لآخره، وهو ما يحدث نادرا. «لكنه ثار ثورة عارمة عندما سألتك المذيعة عن زراعة الشعر وعن ضعف نمو شعرك». علمت بعد ذلك أن صدام أمر بمعاقبة المذيعة. لم يسمح لها بالظهور علي الشاشة لمدة ستة أشهر. خطأ في الحجرة في أواخر عام 1987 اتصل بي أحد اللواءات من مكتب صدام وطلب مني أن أحضر إلي قصر الجمهورية. فقد أصاب ابن أحد المسؤولين نفسه عن طريق الخطأ ببندقيته الكلاشينكوف في قدمه. تم إدخالي عن طريق الخطأ إلي الحجرة المؤدية لحجرة صدام. كان صدام يستعد للخروج. تأسف لي علي أن الحرس لم يعرفوا إلي أين يذهبون بي. «لكن فلتتفضل في مكتبي، فيمكننا أن نشرب الشاي سويا»، ذلك ما قاله واستدار في اتجاه حجرته. تحدثنا عن الحرب وسألني الرئيس عما إذا كان لدينا كثير من الجرحي في مستشفي الواسطي. أجبت أن عدد الجرحي الذين يأتون إلينا قد لا يكون كبيرا مقارنة بالمستشفيات العسكرية الأخري في بغداد، لكن أصعب الحالات هي التي تأتي إلينا. فسألني إذا ما كان كثير من الضباط والجنود يأتون إلينا بعد أن يكونوا قد فارقوا الحياة. أجبته أن ذلك أمر نادر الحدوث أن يرسل إلينا جرحي من الجبهة إذا لم تكن فرصتهم جيدة في تحمل مشاق الطريق. «بعضهم وليس كثيراً منهم يفارق الحياة، ولكن لأي طريق». صمت صدام. ثم قال: «إنه لأمر مؤسف أن يلقي كثير من الشباب هذا المصير، لكنه لم يكن أمامنا طريق آخر. فلو أننا لم ندخل الحرب لكانت الأجيال القادمة ستديننا علي مر العصور». لم أجرؤ علي أن أعارضه. لم يكن هناك سوي قليلين ممن يجرأون علي انتقاد الرئيس حتي بينه وبين نفسه. كان فاتك الصافي الذي أعده صديقا حميما مخلصا واحدا من هؤلاء. كانت له أراض زراعية وانضم لحزب البعث عندما بدأ شيئا فشيئا يثبت أقدامه في العراق في الخمسينات. لحق بصدام عبر الصحراء إلي سوريا عندما اضطر أن يغادر البلاد هاربا بعد محاولة الاغتيال الفاشلة التي قام بها ضد عبدالكريم قاسم في عام 1958. استغرق الهرب أسبوعا تقريبا. كانا يختبئان في النهار ثم يسيران أو يركبان عندما يحل الظلام. كان البدو يساعدونهما في الطريق. عندما وصل حزب البعث إلي السلطة عرض صدام علي صاحبه عدة مناصب وزارية، لكن الصافي كان دائما ما يرفض. كان يتمني الديموقراطية للعراق وليس الحكم الأسري الذي كان يزداد استبدادا يوما بعد يوم في قصور الرئيس علي نهر دجلة. وعلي الرغم من ذلك كان صدام يتحدث بشغف مع صديقه القديم. كان علي مدار السنين يزوره كل يوم خميس ليتعشي معه في منزله في حي المنصور. الانتـخـابات الـحـــرة «كنت دائما ما أقول له إن أفضل شيء للعراق هو الانتخابات الحرة. يجب أن يحصل العراقيون علي حقوقهم الديموقراطية وأن تكون لديهم الفرصة لممارستها». كان صدام في بادئ الأمر مستعدا لأن ينصت لي ويتناقش معي. «لكني بمرور الوقت لاحظت أنه كان يتوتر ويشعر بعدم الارتياح عندما أتطرق لهذا الموضوع وغيره من الموضوعات السياسية المشابهة». في ليلة صيف في عام 1987 احتدم بينهما الخلاف تماما. كان الرئيس عائدا من الاجتماع السنوي لنقابة المحامين. كان القضاة والمحامون يصفقون في أثناء الخطاب الذي ألقاه وبعده تصفيقا طويلا يصم الآذان. عندما قدم الحساء في منزل الصافي، كان يعرض في نشرة أخبار المساء في التلفزيون العراقي تقريرا تفصيليا عن هذا الاجتماع. قال صدام: «هل تعتقد أنني طلبت منهم أن يهللوا لي هكذا؟ كان ذلك بمحض إرادتهم. لم يرغمهم أحد علي ذلك». سخر الصافي منه. «هل تصدق ذلك حقا»؟ «نعم». «إذن فأنت مخطئ. ما هؤلاء إلا جماعة من الكذابين المنافقين». نهض صدام وألقي بملعقته علي المائدة، وغادر منزل الصافي. في هذا المساء قطع كل علاقته بصديقه القديم. لم يأتِ قط للعشاء مرة أخري. اتضح في صيف عام 1988 أن محلل وكالة المخابرات الأميركية الذي تحدث في إذاعة «صوت أميركا» عندما سقطت قنابل الخميني علي بغداد في سبتمبر عام 1980 كان محقا. فلن يتمكن أحد من الانتصار في هذه الحرب. علي الرغم من أن الجيش الإيراني كان متفوقا بعدما تمكن في عام 1982 من دحر القوات العراقية الغازية إلي الحدود مرة أخري، لم يتمكن الخميني قط من إحراز الهجوم المضاد الحاسم الذي من شأنه أن يلحق الهزيمة بالعراقيين، ويسقط صدام. فبفضل إمداد فرنسا والاتحاد السوفيتي للعراق بكميات كبيرة من الأسلحة أصبح العراق هو المتقدم مرة أخري. لكن النصر الحقيقي لم يكن باديا في الأفق. هذا ما أدركه في النهاية صدام والخميني. في الثامن من أغسطس سكتت المدافع. أعلن صدام انتصاره، لكن الحدود بقيت علي ما هي عليه قبل حمامات الدم السخيفة. هكذا كانت الحال أيضا في شط العرب، فقد أصبحت أعمق نقطة فيه لا يمكن اجتيازها تقريبا بسبب الحطام الغارق في القاع الذي خلفته القنابل من ورائها.
|
|
| |
عمادالعاشق مشرف
. : عدد المساهمات : 478 نقاط : 679 السٌّمعَة : 5
| موضوع: رد: مذكرات رجل كان مع صدام 9/2/2016, 11:17 pm | |
| ############## الحلقة الرابعة: ############## عدي قتل كامل حنا.. ثار صدام وأحاله للمحاكمة فحاول الانتحار كامل حنا كان مسؤول خدم صدام ومن القلائل الذين يحظون بثقته الكاملة تنهيدة من الارتياح سرت عبر الشرق الأوسط كله عندما انتهت الحرب بين العراق وإيران في أغسطس من عام 1988. أرسل الرئيس حسني مبارك زوجته سوزان إلى بغداد مع أرق الأمنيات. كانت قرينة الرئيس المصري على علاقة جيدة مع ساجدة زوجة صدام. في أثناء الزيارة أقامت كلتا السيدتين في واحدة من دور الضيافة الرسمية التابعة للنظام على مقربة من القصر الجمهوري المطل على الضفة الغربية لنهر دجلة. كانت حديقة الأعراس تقع غير بعيدة عن دور الضيافة العشر على جزيرة غنّاء تملؤها الحدائق والأشجار الجميلة في بحيرة شاطئية ضحلة تكونت من أحد فروع نهر دجلة. كان هناك جسر يعبر بك إلى الحديقة التي كان يحيط بها ما يقارب من أربعين بيتا من بيوت الضيافة، والتي كان يمكن تأجيرها للمناسبات الاحتفالية. كانت هناك قاعة خاصة محجوزة لاحتفالات الزواج. في نهاية جزيرة الأعراس كانت هناك ست دور أخرى للضيافة، وكانت تتمتع بمزيد من الفخامة عن الدور الأخرى. كان لكل دار منها حمام سباحة، وكانت هذه الدور مقتصرة على الرئيس وعائلته، والعاملين المقربين، أي الوزراء وكبار القوم من مجلس قيادة الثورة. ساجدة تستضيف سوزان مبارك أمام إحدى هذه الدور كانت هناك سهرة انبعثت منها أجواء من الارتياح الشديد، حينما قررت كل من ساجدة وسوزان مبارك الخلود إلى النوم في دار الضيافة الرسمية التي كانت لا تبعد سوى بضع مئات من الأمتار، حيث أخذت الأجواء بعدها تزداد صخبا على صخب. كان كامل حنا يقيم احتفالا لأحد أقربائه الذي كان يحتفل بعيد ميلاده المتمم لعقد من عمره. لم يُحرم في هذه الليلة من ليالي أغسطس أيٌ من الضيوف الذين كان يقارب عددهم الخمسين من أن ينال ما شاء من الخمور. كان حنا الخادم الخاص لصدام. كان مسيحيا من الشمال، ولم يكن من عائلة الرئيس، ولم يكن أيضا من تكريت، غير أنه كان شديد الولاء. كان يقوم بتوفير الخدمة للرئيس ، بدءا من تحضير الملابس والأحذية مرورا بإعداد الطعام وانتهاء بإدارة المجموعة الضخمة من الخدم التي كانت تحيط بصدام. وكان الرئيس يقدر حنا تقديرا عظيما. كان كامل حنا من القلة القليلة التي كان صدام يوليها ثقته. كان الاحترام والثقة متبادلين بين الطرفين. عدي وزجاجة الفودكا كان عدي يقيم هو أيضا بجوار القصر الجمهوري، حيث انتقل ابن الرئيس البالغ من العمر أربعة وعشرين عاما للإقامة الدائمة في إحدى دور الضيافة الرسمية. كان عدي يجلس هناك مع صديقه ظافر محمد جابر أمام النافذة مسترخيا كعادته بصحبة زجاجة من الفودكا حينما سُمع دوي طلقات عالية آتية من العرس. أرسل عدي حارسا من الحرس الخاص إلى هناك ليعرف ماذا يدور، حيث أخبرهما حنا أن الاحتفال الحقيقي لم يبدأ سوى الآن. أخرجت بنادق الكلاشينكوف، وأطلقت منها طلقات في الهواء تعبيرا عن عظيم الفرح وانبهار كل من المضيف والضيوف الذين كانوا مستمتعين استمتاعا يفوق الوصف والذين ازدادوا سكرا على سكر. «اذهب إلى هناك واطلب منهم أن يتوقفوا عن إطلاق النار»، قالها عدي مضيفا: «وإلا فإنهم سيوقظون أيضا أمي وسوزان مبارك». عاد الحارس الخاص إلى حديقة العرس وأخبرهم الرسالة. إلا أن إطلاق النار من البنادق الرشاشة استمر. كان ظافر محمد جابر من عُمر عدي وكان يعرفه منذ كانا يذهبان إلى المدرسة الثانوية. بمرور الوقت أصبح السكرتير الخاص لابن الرئيس. قفز الاثنان في تلك اللحظة مع بعض الحرس الخاص في سيارة، وذهبا إلى كامل حنا لحثه على الهدوء ولوضع نهاية للموسيقى الراقصة الصاخبة، وللطلقات الطائشة هنا وهناك بلا توقف. 150 عصا كان عدي يلبس الدشداشة. عندما غادر المنزل أخذ معه أيضا عصا مِشْي من العاج اتخذ مقبضها شكل رأس الثعبان ولُفت بالخيزران. أما الثعبان نفسه فقد كان فاغرا فاه، ذا أنياب سم قوية. «كان عدي يري أن عصا المشي تليق على دشداشته»، أخبرني بذلك جابر فيما بعد، مضيفا: «كانت تمنحه وجاهة شيوخ دول الخليج». كان ابن الرئيس يمتلك 150 عصا مشي بمختلف الأشكال والتصميمات. لم يتعلم أبدا أن يروض نفسه، إذا أعجبه شيء ما لم يكن ليقنَع بنسخة وحيدة منه. في منزل عمه وطبان رأى شيشة أعجبته. بعدها ببضعة أسابيع أتت شحنة كاملة من الشِّيَش من الهند. «كانت كبيرة ومرتفعة ارتفاع الباب». كان هذا ينطبق أيضا على الساعات اليدوية، الحلي، الخواتم، النقود، النساء والسيارات الفارهة. لم يكن أي شيء يملأ عيني عدي. في احد الكراجات على مقربة من القصر الجمهوري كان هناك مئات السيارات من طراز بي.إم.دبليو، ليكسوس، مرسيدس، فيراري ورولس رويس. وعندما اتخذ عدي طريقه مع جابر ومع اثنين من الحرس الخاص إلى كامل حنا كان هناك في الوقت نفسه مزيد من السيارات المتوجهة إلى بغداد. واحة الأعراس كانت جزيرة الأعراس بمساحتها الخضراء وبأشجارها الواقعة على تلك البحيرة تمثل واحة في عراق تزداد حالته المأساوية يوما بعد يوم. كان يمكن مشاهدة الجراح التي خلفتها الحرب بوضوح في كل مكان. قبل عام 1980 لم يكن في بغداد أي من الشحاذين إلا قليلا، أما الآن فقد كانت ناصية كل شارع تعج بهم. أمَر صدام بطبع النقود ليستطيع تمويل الحرب. كانت النتيجة ارتفاعا متسارعا في الأسعار حطم مستوى المعيشة للناس تحطيما كاملا. قبل الحرب كان الدينار العراقي يساوي ما يزيد على ثلاثة دولارات. أما الآن فقد ساد الاضطراب أسعار الصرف. كان عليك أن تدفع ألف دينار للحصول على دولار واحد فقط، غير أن أجورنا ـ بالدينار ـ ظلت على حالها. استفحال الرشاوى لم يعد في مقدور موظفي الدولة أن ينفقوا على أنفسهم وعلى عائلاتهم مما يدفع لهم شهريا، فكان أن بدأوا في طلب الرشاوى لأداء ما لديهم من أعمال، ومنها إنجاز الطلبات. لم يعد هناك مكتب من المكاتب، أو إدارة من الإدارات، أو وزارة من الوزارات إلا واستفحل الفساد فيها، وعلى كل المستويات. بدأ الأمر أول ما بدأ مع الضباط ذوي الرتب العالية الذين تلقى كثير منهم في أثناء الحرب رشاوى محترمة لكي ينقلوا الجنود من قطاعات الجبهة إلى أماكن أقل دموية، بل إن بعضهم استطاع أن يبني منازل ومزارع مما حصلوا عليه من رشاوى في مقابل نقل وحدات كاملة من الجيش. اهتز ما كان لدى الشعب من تقدير كبير للجيش العراقي في الماضي اهتزازا عنيفا منذ أن انقض صدام على نظام الخميني الإسلامي في الشرق. .. وانتشار الدعارة بالنسبة إلى عائلات كثيرة كانت الدعارة هي السبيل الوحيد عندما لم يعد هناك ما يكفي من المال، وعندما كان هناك هذا العدد الهائل من الأفواه التي يجب أن تُطعم، بعدما سقط الأخ أو الأب ليختفي بذلك عائلهم. مع الفقر زادت أيضا معدلات السرقات وغيرها من الجرائم. غير أن الميراث المأساوي للحرب كان يكمن في هذا العدد الكبير من المعاقين. ما يقرب من 150 ألفا من العراقيين قضوا نحبهم في الأعوام الثمانية التي استمرت فيها الحرب وجُرح 750 ألفا، كثير جدا منهم تعرض لإصابات وعاهات مستديمة، سواء الجسدية منها أو النفسية. لم يكن العراق على أدني استعداد لرعايتهم. كان مستشفى ابن القف هو المستشفى الوحيد المتخصص، وكان قد شيد بمساعدات دانمركية في أثناء الحرب لإعادة تأهيل مصابي الحرب شديدي الإعاقة. لم تكن طاقته الاستيعابية كافية بأي شكل من الأشكال. كان الآباء والزوجات المنهكون يُحضرون أبناءهم المعاقين بعد منتصف الليل خاصة ليضعوهم في جنح الظلام في حديقة المستشفي حيث كان العاملون به يجدونهم في الصباح. ومع ذلك لم يكن من المتاح تقديم العون لهم، ناهيك عن أن الأطباء وفنيي العلاج الطبيعي الدانمركيين كانوا خائري القوي من العمل الكثير. أما إمكانات العلاج بالنسبة لعشرات الآلاف من الجنود الذين كانوا يعانون من مشاكل نفسية نشأت من جراء الخوف الذي تعرضوا له في ساحة القتال فكانت أسوأ كثيرا، حيث لم يكن هناك ببساطة أيٌ من الإمكانات لمعالجتهم. وليس من المألوف في العراق كمـا هي الحـال في الشـرق الأوسـط الحديث عن المشكلات النفسية من أساسه، كما ينظر إلى المرضى الذين يخضعون للعلاج النفسي نظرة دونية، حيث تحـاول العائلات مـا أمكن لها ذلك أن تخفـي ما تعتبره في داخلها عارا ليس دونه عار. وقتها كان يوجد في كل مدينة، في كل قرية، وفي كل حي تقريبا شباب يعانون من مشاكل نفسية مستعصية. كان يحز في نفسي كطبيب أن أشاهد ذلك دون أن أفعل شيئا. أشك في أن يكون أي من الحاضرين لاحتفال كمال حنا في العرس الذي أخذ يتزايد صخبا على صخب مهتما بما عليه العراق من حالة سيئة.
|
|
| |
عمادالعاشق مشرف
. : عدد المساهمات : 478 نقاط : 679 السٌّمعَة : 5
| موضوع: رد: مذكرات رجل كان مع صدام 9/2/2016, 11:18 pm | |
| اخجلوا غير أنه عندما ظهر عدي بصحبة عصا المشي الخاصة به المصنوعة من العاج ساد المكان صمت القبور. أخذت الطلقات، والموسيقي، والرقص في التوقف من فورها. يبدو أن حنا كان قد شرب كميات كبيرة من الويسكي حتى أنه اضطُر الى الاستناد الى غيره حتى يستطيع مواجهة زائره. حسبما يتذكر جابر فإن عدي كان قد افتتح النقاش متوعدا. «اخجلوا من أنفسكم»، قالها عدي مضيفا: «رجوتكم عبر الحرس الخاص أن تهدأوا قليلا. لكنكم لم تعيروا الأمر اهتماما. تاه حظك، لتنزل عليك كل مصائب الدنيا! أدب سيس (من التركية، تعني دون أدب يا لك من خصي معدوم الخلق»! «إنه حفلي الخاص»، أجابه حنا مضيفا: «إنك تدس أنفك في كل شيء. أخرج نفسك منها هذه الليلة»! رفع عدي العصا المصنوعة من العاج عاليا. «يا كلب. كيف تجرؤ على مجرد التفكير في الحديث معي بهذا الشكل»؟ وعاجل عدي حنا بضربة على رأسه ليخر الخادم الخاص على الأرض. «سأحكي ذلك لوالدي»، قالها عدي قبل أن يغادر هو وجابر، والحارسان الخاصان الحفل بعد أن توقف صخب الحفل! لقد قتلته اعتقد الأربعة أن كمال حنا سقط لأنه أفرط في الشراب وأن الضيوف الآخرين سيساعدونه على النهوض. اتصل صدام بابنه مع أول خيوط الفجر. كان عدي مندهشا، فقد كان من غير المعتاد على الإطلاق أن يقيم الرئيس اتصالا مباشرا معه على هذا النحو. بدأ يروي لوالده عن كامل حنا وعن أحداث الليلة، غير أن صداما لم يمهله الفرصة للحديث. «لقد قتلته»، قالها صدام في برود شديد مضيفا: «ستبلغ الشرطة الآن عن الحادث لتلقي الجزاء الذي تستحقه». عندما نُقل خبر قتل كمال حنا على يد عدي إلى الرئيس خرج صدام عن شعوره تماما. «سأقتله بيدي هاتين»، خرج صوت صدام راعدا في حضرة زوجته ساجدة. كان قد نُقل إليها خبر ما حدث، فما كان منها إلا أن غادرت دار الضيافة التي كانت تقضي فيها ليلتها مع قرينة الرئيس المصري متوجهة إلى البيت على عجل. أفزعت ثورة الغضب العارمة التي انتابت صدام والدة عدي، التي اتصلت في يأس بصهرها برزان وروت له ما هدد به صدام. «لا بد أن تأتي حالا وتهدئه». شعر رأسه.. واقف عندما ظهر الأخ غير الشقيق في قصر الرئيس كان صدام لا يزال في ثورة غضبه، ولا يمكن التحدث إليه. في ذات مرة أسرّ برزان إليّ بأن العائلة كانت تستطيع أن تري متى كان الرئيس غاضبا حقا، فإنه حين يغضب كان شعر رأسه يقف مثل القنفذ، كما هي الحال الآن. فيما بعد أخبرني برزان بالآتي: «لو كان عدي بالمقربة منه لكان قد قتله بلا شك. لم أره أبدا غاضبا وخارجا عن شعوره بمثل هذه الدرجة». شيئا فشيئا أخذ الرئيس يهدأ، وكان في مقدور برزان أن يتحدث معه. «الآن دعنا نفكر في الأمر في هدوء شديد. إذا قتلت ابنك، فإن هذا لن يعيد كامل حنا إلى الحياة، ولن نجني وقتها سوى الخسارة، خسارة مزدوجة سواء في حجمها أو في تأثيرها. من الأفضل تقديم عدي للمحاكمة، وعلى القضاء تقرير مصيره». قال صدام: «سأقدمه للمحاكمة». محاولة انتحار أصابت عدي صدمة عندما تكشف له ما جنت يداه. تناول أنبوبا من حبوب منومة، وابتلع كل ما فيه. عندما بدأت الحبوب تأتي مفعولها، وسقط عدي على الأرض نقله حرسه الخاص إلى مستشفي ابن سينا. كان هذا المستشفي الصغير في الأصل عيادة خاصة، تم تحديثها وتوسعتها بعد الانقلاب واستيلاء حزب البعث على الحكم. كان في المستشفي عشرون سريرا وغرفتان للعمليات، كما كان حسب المعايير الغربية مجهزا تجهيزا لا بأس به بالأجهزة الطبية الفنية. كان الأطباء والممرضات الأكفاء يعملون تحت رقابة أمنية. عادة ما كان يقوم جراح وطبيب باطني بالاشتراك مع عشر ممرضات بالخدمة ليل نهار. كان زحام المرضي يتصاعد باستمرار. لم يكن عدد الذين يزورون هذا المستشفي الصغير الراقي قليلا بأي حال من الأحوال، إذا ما انضم لحسبتنا كل الزوجات، والأطفال، والأقارب والخليلات للنخبة العراقية. أفرغت معدة عدي باستخدام الشفاط في الوقت المناسب. لم أكن في مجموعة الخدمة عندما نُقل الابن الأكبر للرئيس إلى مستشفي ابن سينا، غير أن زملائي حكوا لي بعدها ببضعة أيام أنه حاول الانتحار، لكنهم أنقذوه. أما صديقه جابر فقد روى لي تفصيليا فيما بعد ماذا وقع من أحداث قبل، وأثناء، وبعد الحادث المؤسف في حفل كامل حنا. تسليم نفسه ظل عدي طوال الليل تحت الملاحظة في مستشفي ابن سينا، ليعود بعدها إلى دار الضيافة التي كان يقيم بها. أعطى حرسه الخاص والخدم إجازة وتحصن بأجولة الرمل في التراس أمام الباب. عندما أتى بعض من حرس صدام الخاص ليأخذوه أطلق عدي النار من مدفع كلاشنيكوف على سياراتهم. عادوا أدراجهم وأخبروا الرئيس أن الحالة النفسية لابنه لا تزال مقلقة. تُرك عدي حتي اليوم الذي يليه على حاله. بعدها أتت والدته وأخوه الأصغر قصي ليعيدوه إلى صوابه. أتيا بمفردهما، بلا حرس، واستغرق الأمر زمنا غير قصير إلى أن استطاعوا إقناعه بتسليم نفسه. لم يقبض لا على عدي ولا على جابر على الفور. أراد صدام أن يعرف كل شيء عن هــذه المأســاة الشائكة قبــل أن يُشرك الهيئات القضائيـة في الأمر. كان هناك قدر لا بأس به من الاشاعات تلف العراق والتي كان يتلقفها خصوم عدي في نهم. كان أعضاء الأسرة تدور بينهم باستمرار معارك حول المناصب المهمة والوجيهة، إذا استثنينا منصب الرئيس نفسه. مؤامرات حسين كامل كان زوج ابنة صدام، أي حسين كامل، من أكثر الضالعين في المؤامرات. كان حسين كامل ابن أخت علي حسن المجيد، أحد أبناء عمومة صدام، يشغل منصبا مهما هو وزير الصناعة والتصنيع العسكري، وكان مسؤولا عن برامج تطوير الأسلحة للعراق. كان حظيّ صدام، وكان زواجه من ابنة الرئيس رغد هو دليل دامغ على ذلك. الأيام الطويلة حظي أيضا أخوه صدام كامل بثقة كبيرة. زوجه صدام من رنا أخت رغد، كما كان واحدا من أخلص حرسه الخاص. وقد لعب الدور الرئيسي لصدام في «الأيام الطويلة»، وهو فيلم مدته ست ساعات عن حياة الرئيس، والذي كان يُعرض مرارا في التلفزيون العراقي وفي دور السينما في البلاد لسنوات كثيرة. أخرج هذا الفيلم المخرج الإنكليزي تيرينس يانغ الذي كان قبلها مخرجا لثلاثة من أفلام جيمس بوند، إلى أن دخل التاريخ مجددا في بغداد. استقبل الإخوة الثلاثة غير الأشقاء، سبعاوي، وبرزان، ووطبان زواج الشقيقين من ابنتي الرئيس بالرفض التام والانزعاج. أثار تزويج صدام لابنته رغد بحسين كامل تحديدا البغضاء في الأسرة. كل الإخوة غير الأشقاء كانوا يرون أن ابن سبعاوي ياسر هو الوحيد الأصلح لها، حيث كان سيعني هذا الزواج أيضا توطيد روابط الدم بين فرع عائلتهم وفرع عائلة الرئيس، وهو الأمر الذي رفضه صدام. كان في هذا إشارة واضحة إلى برزان. مخبرون في كل مكان في عام 1980 أصبح برزان الأخ الأوسط من بين الإخوة غير الأشقاء رئيسا للمخابرات، حيث تولي مهمته بجدية شديدة. تم توسيع عمليات هذه الهيئة، وشبكة المخبرين سواء في خارج البلاد أو في العراق توسيعا كبيرا. ولم يكن عندهم فرق بين الخصوم العراقيين لصدام المشتبه فيهم، وبين الحقيقيين منهم. كثيرا ما كان برزان يتفاخر أمامي بأن جهاز المخابرات في ظل قيادته كان له عملاء ومخبرون في كل أنحاء العالم وأنه لم يكن أبدا في يوم من الأيام بمثل هذه الفعالية. «لا يوجد حتى عراقي واحد يجلس في حانة في أي قرية مهجورة في اليابان ويتحدث بسوء عن صدام ونظامه يمكنه أن يتوهم لنفسه الأمان»، هكذا كان رأيه. في المدارس الشعبية كان المدرسون يسألون تلاميذهم عما إذا كان آباؤهم قد أداروا جهاز التليفزيون عندما كان يُعرض برنامج عن الرئيس. فإذا أجاب أحدهم بالنفي كان يمكن أن ينتهي الأمر بالأب إلى التحقيق والمساءلة. روح.. رياضية! كان مشجعو النوادي العريقة غاضبين من سرقة عدي الدنيئة لأفضل لاعبيهم. كل العراقيين تقريبا من مشجعي كرة القدم، وكثير منهم لا يزال يتذكر جيدا أول مباراة لفريق عدي ضد فريق العاصمة، نادي الطلبة، المرشح الأكبر للفوز، في ملعب الشعب في بغداد في ليلة من ليالي الشتاء في مطلع عام 1985. بُني هذا الملعب لممارسة الرياضة وكرة القدم في عام 1966 بأموال الهيئات الخيرية لبارون البترول الأرمني كالوست جولبنكيان .كان هناك ستون ألفا من المشاهدين في ملعب الشعب عندما أُطلقت صافرة البداية. كان خمسة وتسعون بالمائة من المشاهدين يساندون نادي الطلبة، أما الألف المتبقية من المشاهدين فقد دفع لهم ليشجعوا الرشيد على قدر ما أوتوا من قوة. أما المذيع فقد أمره ابن الرئيس بأن يحذر أعضاء الفريق المقابل لفريق الرشيد من اللعب بصورة جيدة، وترك لنفسه الحبل على غاربه في استعمال مكبرات الصوت في الاستاد لتشجيع الوافدين الجدد (الرشيد على أرض الملعب تشجيعا ناريا، فقد كان عليهم أن يعطوا كل ما عندهم لسحق الخصم. سرى القلق إلى المدرجات، وأخذ الناس في رمي اللاعبين الذين خانوا نادي الطلبة، وفروا إلى عدي. كان على وحدات كبيرة من الشرطة التدخل لإيقاف القاذفين بالحجارة والقضاء على التمرد الوليد. أما المأساة الكبري فكانت الحكم. في كل مرة كان يحتسب فيها ضربة حرة ضد الرشيد كان ينظر في رعب إلى منصة الشرف ليري رد فعل ابن الرئيس. تقدم نادي الطلبة لفترة كبيرة من عمر المباراة بهدف. واحتسب الحكم في آخر دقيقة ضربة جزاء لفريق الرشيد. لم ير المتفرجون أحدا من لاعبي نادي الطلبة يرتكب أي خطأ، غير أن جميعهم أدرك أن هذا الحكم المسكين كان عليه أن يفعل أي شيء للنجاة بحياته. انتهت المباراة بالتعادل بهدف لكل فريق. برزان وتآمر حسين كامل كان رئيس المخابرات برزان يعتبر ثاني أقوى رجل في العراق، وهو الأمر الذي لم يعجب عدي، وقصي، وحسين كامل، وخاله علي حسن المجيد. أخذوا يتابعون نشاطه بمزيد من الحسد والتشكيك، وانتابهم اليأس من أنهم لم تعد لديهم المقدرة على المنافسة في السباق الدائر للفوز بالحظوة لدي الرئيس. بتحفيز من حسين كامل بدأوا يزرعون الشـك في دوافع برزان، هامسين أن على الرئيس أن يكون على حذر، وأنه من المتصور أن هذا الأخ غير الشقيق القوي يريد حتى الاستيلاء على السلطة في العراق. شيئا فشيئا بدأ صدام يعتقد أنهم ربما يكونون على حق، وأن رئيس المخابرات ربما يمثل تهديدا. وعندما تجاهل صدام احتجاجات إخوته غير الأشقاء وزوّج ابنته رغد من حسين كامل أدرك برزان ما حل به: لم يعد رقم واحد عند صدام. فقد أعفاه من منصبه عام 1983. وقال لي فيما بعد: مع خروج برزان من اللعبة سنحت الفرصة أخيرا لضرب عدي في إطار الصراع الداخلي حول السلطة. لم يدع حسين كامل هذه الفرصة تفوته. انهمك حسين كامل بروحه ودمه في كشف ملابسات ما حدث في تلك الليلة التي قتل فيها كامل حنا. لم يتردد ولو للحظة. امبراطورية عدي كان عدي ذو الأربعة والعشرين ربيعا قد بدأ صعوده في سلم السلطة في عهد صدام. وقبلها بأربع سنوات كان قد عين مسؤولا للشباب، وأسس أول جريدة له، جريدة «البعث الرياضي». ومكنته هذه الجريدة من مهاجمة الوزراء الآخرين، وغيرهم من الشخصيات المهمة، إما لأنه كان لا يحبهم أو لأنهم اعترضوا طريقه بشكل أو بآخر. كان الهجوم يتم في المقالة الرئيسية أو في التحقيقات التي تتناول عجزهم بالتفصيل. كان الشباب يجوبون الشوارع في مسيرات رافعين لافتات تقول: «عدي فخرنا الكبير»، و«عدي أملنا». كما أسس ناديا جديدا لكرة القدم، وهو الرشيد، حيث أدرك أفضل لاعبي العراق سريعا أنهم حسنا فعلوا عندما انتقلوا إلى هذا النادي، حيث كانت أجورهم أفضل، وكانوا يحصلون على بدلات تدريب جديدة، وأحذية كرة جيدة، ومن حين إلى آخر دعوة لتناول خروف كامل مشوي على العشاء. أما أهم شيء فهو أن عدي كان يحول بينهم وبين أن يرسلوا إلى جبهة القتال. كان كل اللاعبين يرسلون إلى وحدة خاصة تتبع الحرس الجمهوري وكانت بغداد هي محل خدمتها.
|
|
| |
عمادالعاشق مشرف
. : عدد المساهمات : 478 نقاط : 679 السٌّمعَة : 5
| موضوع: رد: مذكرات رجل كان مع صدام 9/2/2016, 11:19 pm | |
| ############## الحلقة الخامسة: ############## عدي يكتشف زواج صدام من سميرة الشهبندر ويبلغ قصي: والدنا يلعب بذيله صدام تعرض لحادث سيارة وكان وجهه ملطخاً بالدم في مستشفي ابن سينا عاصفة الصحراء في مساء الأول من فبراير من عام 1991 كنت جالسا إلي المائدة مع زوجتي وأبنائنا الثلاثة وابنتي، حينما سقطت القنابل علي بغداد، وحيث كانت القذائف تنفجر في كل مكان. لم يكن هناك كهرباء لفترة طويلة، وكنا لا نزال نجلس علي ضوء الشموع كما كانت الحال دائما في غرفة في وسط المنزل. إما أن ننجو في هذه الليلة، أو أن العائلة كلها ستقضي نحبها سويا، إذا أتي الدور علينا. وهكــذا ربمــا كان مــن الأفضل ــ كما دار الفكر بنا ــ أن نفعل مثل كثير من العائلات التي دفع الخوف بأفرادها إلي البحث عن الملاذ فيما بين أنفسهم. ارتجاج عنيف كان دوي قاذفات القنابل معدني الرنين فوق رؤوسنا أشبه بصوت مثقاب طبب الأسنان المصم للآذان. بعدها سُمع صوت الانفجارات. تهشمت النوافذ، وارتج بيتنا ارتجاجا عنيفا. كشفت صفارات الإنذار أن سيارات الإسعاف كانت في طريقها إلي القتلي والمصابين. كانت هجمات الطيران العنيفة قد بدأت قبلها بأربعة عشر يوما تمهيدا لعملية «عاصفة الصحراء» التي كانت رد الأمم المتحدة علي غزو الكويت في أغسطس من العام السابق. كان الهدف هو طرد جنود صدام من الكويت، ولكن قبلها عزمت قوات التحالف، التي كانت تجري استعداداتها في المملكة العربية السعودية، بمختصر العبارة علي قصف كل شيء بالقنابل، المراكز العسكرية الرئيسية للعراق، مراكز القيادة المركزية والمطارات، والمباني الإدارية للحكومة، والوزارات، ومراكز الاتصال، والشوارع، والجسور ومحطات الطاقة. أمر بالتوجه إلي المستشفي في هذه الليلة من ليالي الحرب لم يدم تناول الطعام مع الأسرة طويلا. في الساعة العاشرة والنصف طرق اثنان من حرس صدام الخاص بابي. كان معهما سائق. كانوا مضطربين عصبيا وأمروني بالتوجه معهم فورا إلي مستشفي ابن سينا. اخترقنا بسرعة شديدة شوارع مدينة بغداد الغارقة في الظلام. لم تكن رؤية أي شيء ممكنة إلا عندما كانت إحدي القنابل أو أحد الصواريخ ينفجر علي مقربة منا. كنت علي ثقة بأن هذا المشوار سينتهي بكارثة، وشكرت الخالق عز وجل عندما وصلنا إلي هدفنا بلا خدوش. كان المستشفي محاطا بالجنود. الممرات أيضا كانت تعج بهم. عندما سجلت اسمي في دفتر الحضور أصاب صاروخ البناء المبني من الطوب الذي اتخذه جهاز الأمن للرئيس مقرا له، والذي كان لا يبعد سوي بضع مئات من الأمتار عن مستشفي ابن سينا. كان الانفجار شديدا للغاية حتي أن عديدا من النوافذ في ناحية من نواحي المستشفي قد تطايرت إلي الداخل. في غرفــة العمليــات الواقعة في الطابق الأرضي كان يرقد صدام. كان منظر وجهه لا يسر عدوا أو حبيبا. «رجوتهم ألاّ يفعلوا شيئا حتي تأتي»، قالها صدام مضيفا: «لقد تعرضت لحادث سيارة». كان الرئيس شاحب الوجه وملطخا بالدماء، غير أنه كان هادئا، رابط الجأش. دار الحديث عن اصطدام سيارة صدام في تقاطع مع سيارة أخري في الظلمة الحالكة لبغداد. كان نصف وجهه الأيسر تحديدا قد تعرض للإصابة. كان يسيل الدم منه من جرح في جبهته وسحجة في خده الأيسر. كان هناك قطع أكثر غورا في ذقنه حتي العظم. كانت أُنملة الخنصر الأيمن للرئيس تكاد تكون مقطوعة، فقد أخذت تتأرجح علي كفه هنا وهناك، وقد تعلقت فقط بطبقة رقيقة من الجلد. أما الظفر فلم يكن موجودا. بعد أن نظفت الجراح، وأمرت بإجراء أشعة علي الرأس واليد اليمني بدأت ــ بعد أن خدرته موضعيا ــ في ترقيع جروح الرئيس. أعدت أنملة الخنصر إلي مكانها، خيطتها بإحكام ووضعت جبيرة علي الأصبع. بعدها وضعت له ضمادة. مقابلة بريماكوف سألني: «هل تستطيع أن تتجنب وضع ضمادات علي وجهي»؟ أجبته بالإيجاب، وقلت له إنني أستطيع أن أخيط بعض الغرز الصغيرة تحت أول طبقة خارجية للجلد، بحيث لا يكاد يري شيء. «يجب أن تعرف أنني سأقابل غدا بريماكوف، ولا أريد أن تظهر جراحي في الصور التلفزيونية التي ستبث في العالم كله». كان يفغيني بريماكوف ، وكان مستشار السياسة الخارجية للرئيس السوفيتي ميخائيل غورباتشوف، قد توجه إلي بغداد في مهمة خاصة تتمثل في دفع العراق للانسحاب من الكويت والتوصل الي حل سلمي يرضي عنه صدام دون أن يفقد ماء وجهه. كان يتحدث العربية وتعرف علي صدام في الستينات عندما كان يعمل مراسلا صحفيا في الشرق الأوسط لجريدة الحزب «برافدا». كان يحظي بثقة كبيرة، ليس في بغداد فحسب، بل إن عاهل الأردن الملك حسين والرئيس السوري حافظ الأسد كانا يستأنسان بمقترحات بريماكوف. لم يجرح في هذا الحادث الرئيس العراقي فحسب، بل أيضا حارسه الخاص، وزوج ابنته صدام كامل. فقد أصيب بجرح نافذ في شفته السفلي، حيث يمكن رؤية أسنانه من خلاله. «هل تستطيع أن تعتني به هو الآخر»، سأل حماه. أجبت قائلا: «بالطبع». اهتمام بصدام كامل كنت منهمكا في الإعداد للعملية حينما ظهر الرئيس عند الباب. «هل يمكن لي أن أدخل»؟ «تفضل». جلس وأخذ بيد صدام كامل. «اعمل علي إخفاء الندبة بقدر ما تستطيع». طوال العملية التي استغرقت ما يقرب من الخمس والأربعين دقيقة كان صدام يمسك بيد زوج ابنته. لم أره يفعل مثل هذا الشيء مع أي من أقربائه من قبل ولا من بعد. سميرة الشهبندر كان لا يزال هناك في السيارة المنكوبة أشخاص آخرون. ما إن انتهيت من صدام كامل حتي اختلي الرئيس بي جانبا وطلب مني أن أتوجه بأسرع ما يمكن إلي مستشفي الكاظمية في بغداد. قال لي: «هناك ترقد مواطنة أُصيبت هي الأخري في الاصطدام. أرجو أن تعمل قصاري جهدك من أجلها إذا تكرمت». كان هناك واحد من الحرس الخاص للرئيس يقف أمام غرفتها عندما وصلت إلي هناك. أدركت علي الفور أن الأمر لا يمكن أن يكون له علاقة بأي مواطنة عادية؛ كانت شقراء، زرقاء العينين، ما بين الأربعين والخمسين. الرئيس كلفني كانت عظمة الخد اليسري مكسورة، كما كان هناك جرح قطعي غائر في جبهتها. أعددت كل شيء حتي يتسني إجراء الجراحة لها في صباح اليوم التالي، وحكيت لها أن الرئيس كلفني أن أعتني بها علي قدر طاقتي. عندما كنت في غرفتها سألت الحارس الخاص إذا كان في إمكانه توفير بنزين لسيارتي. في هذه الأيام العصيبة من أيام الحرب كان من شبه المستحيل العثور علي وقود. قالت السيدة وهي تنظر إلي الحارس: «وفر له خمسين لترا». في هذه اللحظة أدركت أنها علي علاقة أكثر حميمية بصدام عما كنت أظن في بادئ الأمر. كانت سميرة الشاهبندر، الزوجة الثانية للرئيس. زوجة رئيس الشركة تقابل الاثنان بالمصادفة في بداية الثمانينات. كانت شركة الخطوط الجوية العراقية قد اشترت آنذاك طائرة جامبو عملاقة. اصطحب رئيس الشركة في لندن زوجته إلي بغداد لكي تشهد مراسم تسليم الطائرة وما يليها من احتفال. وكان عليه ألاّ يفعل ذلك؛ فقد وضع صدام عينيه عليها. كانت هناك اشاعات، غير أن قليلين كانوا يعرفون عن الصديقة الجديدة للرئيس. حتي ولداه عدي وقصي لم يكونا يعلمان بالأمر، لكنهما كانا يشكان أن والدهما قد عاد الي الحب من جديد. أضاف إلي مقتنياته سيارة ليموزين كبيرة لها جدار معتم عازل للصوت يفصله عن السائق والحارس الخاص. ظافر محمد جابر ــ صديق عدي وسكرتيره الخاص ــ كان له أقارب يقيمون علي مقربة من السفارة الصينية في حي العامرية الذي يبعد كثيرا عن القصر الجمهوري. كانت سميرة الشهبندر قد انتقلت للإقامة في منزل يقع قريبا جدا من هناك. شيئا فشيئا بدأ الحديث يكثر بين الجيران يتحدثون بطبيعة الحال عن المرسيدس الكبيرة والحرس الخاص اللذين كانا يقلانها باستمرار. كما لم يغب عن الجيران أيضا الطريقة التي عادت بها بعد العملية في عظمة الخد المكسورة من المستشفي إلي البيت.
|
|
| |
عمادالعاشق مشرف
. : عدد المساهمات : 478 نقاط : 679 السٌّمعَة : 5
| موضوع: رد: مذكرات رجل كان مع صدام 10/2/2016, 6:58 pm | |
| في أحد الأيام كان جابر ومعه عدي في زيارة لأقاربه. بدآ في الحديث عن الجارة المضمد وجهها التي أعادها الحرس الخاص للرئيس إلي المنزل. كان يبدو عليها أنها تعرضت لحادث. لم يدم الأمر طويلا حتي ربط ابن الرئيس الأحداث بعضها ببعض. «لقد جرحا في الحادث نفسه». طبقا لما رواه جابر توجه الاثنان بعدها مباشرة إلي أحد أماكن إقامة قصي قريبا من القصر الجمهوري، حيث روي عدي لأخيه ما اكتشفه. قال عدي: «أظن أن والدنا يلعب بذيله كما نفعل نحن تماما». رد عليه قصي قائلا: «إياك أن تخرج منك كلمة عن هذا الموضوع». سرعان ما تحولت بغداد إلي مدينة للأشباح بعدما بدأت الهجمات الجوية وبعدما خلت الشوارع من المارة. طلقات تصيب المنازل ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع. إن القذيفة التي تطير في الهواء تتميز بتأثيرها القاتل عندما تنزل مرة أخري إلي الأرض. كل مرة كانت فيها الطائرات الأميركية والبريطانية تظهر في السماء، كان رجال المدفعية يبدأون عملهم. في العادة كانت تستعمل مدافع رشاشة ثقيلة. علي الرغم من أن مدي التأثير لهذه الرشاشات كان مضحكا قياسا إلي بعد الأهداف، فإن الجنود الذين كانوا يشكلون طواقم هذه الرشاشات كانوا يطلقون النار. كانوا يتتبعون الطائرة بنيرانهم إلي أن تختفي في الأفق، دون أن يضعوا في حسبانهم أن مسار القذائف كان منخفضا للغاية حتي أن الطلقات كانت في الغالب الأعم تصيب المنازل. كانت إصابات معظم الجرحي الذين كانوا ينقلون إلي مستشفي الواسطي والمستشفيات الأخري هي من طلقات عراقية. احتلال الكويت آن الأوان لنا نحن العراقيين أن نحصد الثمار المرة التي زرعها صدام بالاشتراك مع علي حسن المجيد، وقصي، وحسين كامل. أمر الرئيس باحتلال الكويت. تولي ابن عمه علي حسن المجيد ، وابنه الأصغر قصي ، وزوج ابنته إرسال القوتين الخاصتين للرئيس ــ أي الحرس الجمهوري والقيادة الخاصة للحرس الجمهوري ــ عبر الحدود إلي تلك الإمارة الصغيرة، غير واضعين في حساباتهم أن العراق سيواجه المشاكل مع الولايات المتحدة الأميركية ومعظم الدول الأخري. كان علي حسن المجيد هو القائد الأعلي، بينما كان حسين كامل نائبه. طبقا لأقوال نزار الخزرجي فإنه لا وزير الدفاع عبد الجبار شنشل ولا هو بصفته رئيس أركان الجيش كان لديهما علم مسبق بهذا الهجوم. روي لي الفريق الركن نزار الخزرجي فيما بعد الآتي: «لم نعرف بالأمر إلا عن طريق أخبار الصباح في المذياع». جيش مستقل هكذا كان هيكل السلطة العسكرية في العراق. كان الحرس الجمهوري مستقلا استقلالا تاما، ولم يكن وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش يبلغان بعمليات القوات الخاصة. فإذا ما طرحا الأسئلة كان الرد هو انعدام الثقة، وكان هذا في اسوأ الأحوال يرتبط بحياتهما. في صيف عام 1990 كان العراق يواجه مشاكل اقتصادية متزايدة الضخامة. أدت الحرب ضد إيران التي استمرت ثمانية أعوام، والمبالغ الباهظة التي دفعت لشراء الأسلحة والذخائر وغيرها من مواد الحرب التي كانت ضرورية لهذه الحرب إلي إغراق النظام الحاكم في الديون التي لم يكن من سبيل إلي الفرار منها إلا بزيادة العائدات من بيع النفط. غير أن فتح صنابير النفط لم يكن له أي معني ما لم تنجح منظمة أوبك في منع تدهور جديد لأسعار السلعة التصديرية الأهم والوحيدة تقريبا لصدام. كان النصف الثاني من الثمانينات صعبا علي المنظمة. حيث كان الإنتاج العالمي للنفط أعلي من الطلب عليه، كما أن كثيرا من الدول الأعضاء في المنظمة كانت تغش وتنتج نفطا أكثر مما هو متفق عليه في اجتماعات وزراء النفط في جنيف وفيينا. وصلت أسعار النفط إلي أدني مستوي لها، ولم ترتفع الأسعار مرة أخري إلا عندما عملت السعودية وإيران معا علي تحقيق الانضباط في صفوفهما وعلي تخفيض إنتاجهما. غير أن الكويت كادت تفسد الأمر الآن؛ فقد كانت الإمارة تنتج مجددا ما يزيد علي المتفق عليه، كما طالب وزير النفط الكويتي، عندما تقابل هو وزملاؤه من الدول الأعضاء الأخري في اجتماع الشد والجذب في يوم الخامس والعشرين من شهر يوليو في جنيف، أن تمنحه أوبك حصة جديدة وأكبر من الإنتاج. غامرت الكويت بكثير من الأمور. في اجتماع قمة الجامعة العربية في بغداد في الشهر الذي سبقه وجه إليها صدام تحذيرا واضحا: إذا استمرت الكويت في تجاوز الحصة المقررة من الإنتاج فإنه سيعتبر هذا إعلانا للحرب. وعلي الرغم من ذلك لم يعتقد سوي قليلين أن الرئيس العراقي سيكون جادا في تهديده، عندما أرسل 30 ألفا من جنود القوات الخاصة إلي الحدود مع الكويت، وذلك قبل اجتماع منظمة أوبك في جنيف. وعندما هدَّأت الكويت من ثورة العراق في اجتماع وزراء النفط، وتعهدت بتحسين الأمور، ووعدت أنها ستلتزم في المستقبل بحصص الإنتاج التي قررتها المنظمة خفت حدة التوتر بشكل واضح. علاوة علي ذلك عادت المفاوضات المباشرة مرة أخري بين العراق والكويت بوساطة من السعودية. كانت المفاوضات متعلقة بمسار الحدود، أسعار النفط، والديون الكبيرة التي تراكمت علي بغداد لدي الكويت في أثناء الحرب ضد إيران. ظننا كلنا أن صوت العقل قد انتصر، وتنفسنا الصعداء. 2 أغسطس لكننا تعجلنا الفرحة. في يوم الثاني من أغسطس في الساعة الثانية صباحا والساعات التي تلتها عبر الحرس الجمهوري ـ والقوات الخاصة التابعة له ـ الحدود في اتجاه الكويت بمساندة من الطائرات ومن المروحيات. لم يلق الغزو سوي مقاومة محدودة. كان قائد سرب المروحيات في الحرس الجمهوري هو اللواء حكم التكريتي، وهو واحد من أصدقائي القدامي الذين تعرفت عليهم حينما كنت أؤدي خدمتي العسكرية في منتصف الستينات كمسؤول صحي في قاعدة الحبانية الجوية الواقعة بين الفلوجة والرمادي شمال غرب بغداد. قبل الهجوم تم استدعاء كل طياري المروحيات إلي حسين كامل لتوزيع الأوامر. كان حسين كامل مشاركا مشاركة رئيسية في التخطيط دون أن يكون لديه أي خلفية عسكرية تستحق الذكر عن هذا النوع من المهام. «أريدكم أن تطيروا في أثناء الهجوم طيرانا منخفضا بقدر الإمكان. غير مسموح لكم أن تطيروا علي ارتفاع يزيد علي الخمسة عشر مترا»، قالها زوج ابنة صدام. اعترض حكم التكريتي: «لا يمكن أن ننزل إلي هذا الارتفاع دون أن نثير زوبعة من رمال الصحراء والتراب، إذ إن الرؤية ستكون عندها معدومة تماما. ولن نتمكن وقتها من رؤية أي شيء من كابينة القيادة». سأله حسين كامل مستنكرا: «لماذا تحاول أن تثبط من همم الطيارين»؟ أجابه اللواء حكم التكريتي: «هذا ليس قصدي. كل ما هنالك أني أخاف أن أفقدهم في حال ما إذا طاروا أقل من خمسة عشر مترا ارتفاعا». فرض زوج ابنة صدام إرادته، كما روي لي حكم التكريتي عندما قابلته بعد انتهاء حرب الخليج. في غضون الساعة الأولي من الغزو سقطت 58 طائرة، إما لأنها اصطدمت بعضها ببعض أو اصطدمت في ظل الرؤية السيئة بأسلاك الضغط العالي. أعمال نهب واسعة في بغداد ارتفع المديح في قنوات الإذاعة والتلفزيون وفي الجرائد التي تسيطر عليها الدولة جميعا حتي بلغ عنان السماء تمجيدا للاحتلال علي أنه ضربة عبقرية تكتيكية استراتيجية للرئيس، أما في الكويت فقد بلغت أعمال النهب الواسعة حدا يقترب من هذا الذي نعرفه من العصور الوسطي. قاد علي حسن المجيد المسمي بـ «علي الكيماوي» وسبعاوي التكريتي هذه الأعمال، فقد عُين الأخير حاكما علي المحافظة العراقية الجديدة. لم تستطع عائلة الصباح ونخبة الكويت أن يأخذوا معهم الكثير عندما دقت صفارات الإنذار. مع أول خيوط الفجر اُضطروا إلي التوجه إلي المملكة العربية السعودية في عجلة شديدة من أمرهم. تملكت الدهشة الشديدة علي حسن، وسبعاوي، وبشكل أو بآخر أيضا حسين كامل، وقصي عندما أخذا يتنقلان بحرسهما الخاص من قصر إلي آخر، ومن منزل إلي آخر، وأخذا يجمعان كل ما تركه الكويتيون المتخمون ثراء من الذهب، والألماس، والأموال وسيارات الليموزين الفارهة، والأثاث الإيطالي رفيع المستوي، حيث نقلت قافلة من سيارات النقل هذه الأســلاب إلي بغــداد. أما الضبــاط ذوو الرتــب الصغــيرة ورجــال الأعمــال العراقيون المغامرون الذين تدافعوا علي الكويت فقد وضعوا أياديهم علي ما ترفع عنه علية القوم. غير أن صدامًا أمر بعدها باعتقال وتصفية بعض الضباط الجشعين، أما اللصوص الكبار، أي أقاربه، فقد نجوا بفعلتهم. سرقة المستشفيات الكويتية كان عبد السلام محمد سعيد في زمن الغزو والنهب هو وزير الصحة. وتنفيذا للأمر اتصل بي في مأموريتي كمدير لمستشفي الواسطي وأخبرني أننا نحن أيضا علينا التوجه إلي هناك. «هناك في الكويت مستشفي فيه وحدة جديدة تماما لإصابات الحروق مجهزة تجهيزا راقيا. يجب أن تسافر إلي هناك وتري ما قد يحتاجه مستشفاك». لم أسافر إلي هناك. بعدها بأسبوعين اتصل بي وزير الصحة من جديد. «هل ذهبت إلي هناك»؟ «لا». «ولم لا»؟ «لم أستطع إرغام نفسي علي فعل ذلك. اسأل أحدا غيري». لم يكن جميعنا بمثل ترددي. كثير من زملائي نفذوا بلا تردد مطلب وزير الصحة وسافروا إلي الكويت، ضاربين بالاعتبارات الأخلاقية عرض الحائط، حيث أخذوا معهم إلي العراق من المستشفيات والمرافق الصحية كل الأدوية، والتجهيزات الصحية الفنية، والأدوات، وغيرها من الوسائل المساعدة. كان رئيس نقابة الأطباء العراقيين نفسه المرحوم الدكتور راجي التكريتي قد نفّذ أمر تجريد نقابة الأطباء في الكويت من كل الكتب العلمية، والمجلات الطبية، والكراسي، والمكاتب والحاسبات الإلكترونية. وهذا الشيء نفسه قام به الأساتذة والعلماء في جامعاتنا وغيرها من المعاهد العليا ما إن وطئت أقدامهم المؤسسات العلمية وأماكن الدراسة في الكويت. هم أيضا تلقوا التوجيهات من وزرائهم بالسفر إلي هناك وأن يأخذوا راحتهم. رئيس نقابة الأطباء العراقيين ــ والشيء بالشيء يذكر ــ لم يستمتع كثيرا بما سلب. فقد قدم للمحاكمة، هو ومجموعة من الضباط الذين شك صدام في أنهم يخططون لانقلاب ما، حيث أعدم د. راجي التكريتي مع هؤلاء الضباط.
|
|
| |
عمادالعاشق مشرف
. : عدد المساهمات : 478 نقاط : 679 السٌّمعَة : 5
| موضوع: رد: مذكرات رجل كان مع صدام 10/2/2016, 6:59 pm | |
| كان لا بد أن ينتهي الأمر بأهوال؛ ففي يوم الغزو ذاته ندد مجلس الأمن الدولي بالاجتياح العراقي وطالب بالانسحاب الكامل. بعد ذلك بأربعة أيام فرض مجلس الأمن عقوبات اقتصادية شاملة ضد العراق. أرسلت الولايات المتحدة قواتها إلي السعودية للدفاع عن المملكة إذا ما أمر صدام قواته بمواصلة الزحف من الكويت في اتجاه الجنوب. كانت تنتظرنا من جديد حرب كبيرة، تسيل فيها الدماء أنهارا. في يوم الثامن عشر من سبتمبر، أي بعد شهر ونصف الشهر من احتلال الكويت، استدعي صدام القيادة العامة للقوات المسلحة لمناقشة الوضع. وعندما أصبح جليا أن الولايات المتحدة الأميركية ستلجأ إلي قوتها العسكرية الهائلة لطرد صدام من الكويت، ما لم يأمر بنفسه بسحب الجنود غير المشروط. كان هناك أكثر من ثلاثين دولة راغبة في المشاركة بطائراتها، وسفنها الحربية، وقواتها في التحالف، وعملية الأمم المتحدة التي عمدها الأميركان باسم «عملية عاصفة الصحراء». الـخزرجي ينصح بالانسحاب كان رئيس أركان الجيش نزار الخزرجي هو أول المتحدثين. وضح للرئيس أن أفضل شيء للعراق هو سحب الجنود فورا. قال: «لقد لقنّا الكويت درسا، ولذلك فإنه ليس من الضروري البقاء هناك لفترة أطول». «الوضع واضح. إنهم يتفوقون علينا حتي من وجهة النظر الفنية فقط تفوقا هائلا. بالإضافة إلي ذلك فإن طرق الإمدادات بالنسبة إلينا طويلة للغاية. فإذا ما بقينا في الكويت تعرضنا لخسائر فادحة». جن جنون صدام من الفريق الركن الخزرجي. «أيعني هذا أنك لا تريد أن تقاتل»؟ «لا يا ريس. أنا جندي وسأطيع الأوامر التي ستوجهها إلي». نهض الرئيس وغادر المكان دون أن ينبس ببنت شفة. في صباح اليوم التالي سلمه أحد الضباط خطابا من صدام. كتب صدام في الخطاب: «يؤسفني أن أخبركم أنكم بوصفكم رئيس أركان الجيش أصبحتم غير مرغوب فيكم. أشكركم علي مجهوداتكم في الخدمة، ومستقبلا ستكونون في خدمة مكتبي كمستشار». لم يفهم الخزرجي تماما ماهية وظيفة المستشار التي كان من المقرر أن يؤديها، ومن ثم فقد اتصل برئيس ديوان رئاسة الجمهورية. «هذا يعني أنك ستظل في بيتك. وفي حالة ما إذا احتجنا لنصيحتك سنتصل بك».
|
|
| |
عمادالعاشق مشرف
. : عدد المساهمات : 478 نقاط : 679 السٌّمعَة : 5
| موضوع: رد: مذكرات رجل كان مع صدام 10/2/2016, 7:01 pm | |
| ############## الحلقة السادسة: ############## صدام اعتبر أهل الأهوار هنوداً يجب القضاء عليهم أحضروا لي سجينا في البصرة بعد استعمال «أوتي» علي جسده الانتفاضة وقفت منذ بداياتي المبكرة علي حجم القمع الذي تعرض له الشيعة في الجنوب؛ فقد كانت أول وظيفة لي أتولاها في العراق بعد إنهائي دراستي التخصصية في لندن عام 1972 هي في مستشفي البصرة. ذات مرة كنت في خدمة الطوارئ عندما أحضر اثنان من رجال الشرطة معتقلا من السجن لأفحص يديه اللتين كانتا محترقتين احتراقا شديدا. كان الجرح في ظهر اليد مثلث الشكل، وكان كل من الجلد، والأوتار، والعضلات محترقا حتي العظم. «استعملوا كواي عادية جدا»، قالها المريض، وهو يحكي عن الوسائل التي تستخدمها الشرطة السرية. كان محاميا بارزا أوقف نفسه للدفاع عن حقوق الشيعة. في ذات يوم أتاني ضابط برتبة نقيب يعمل في الشرطة السرية. كان مكتئبا وحزينا. قال: «لقد تلقينا الأوامر بالنزول إلي الشارع، وبمنع الناس من إعداد الطعام للفقراء في ذكري الحسين». في ذكري أربعين الإمام الحسين يعد الشيعة ميسورو الحال الطعام لغيرهم من إخوانهم الأقل حظا من المال. في يوم الجمعة هذا يتم وضع قدور كبيرة من اللحم المطبوخ، والأرز، والمرق في الشارع. قال لي النقيب: «عند إعداد الطعام علينا قلب المراجل رأسا علي عقب لإفساد الطعــام. لا أعــرف لمــاذا؟ إن هــؤلاء البؤســاء لا يشـكلون أي تهديد للسلطات؛ فهم لا يستطيعون حتي إيذاء ذبابة». لم تمر أيام طوال بعد الانهيار العسكري في الكويت حتي أدرك صدام وبقية نظامه أن القوات المتحالفة لن تزحف علي بغداد، فقد كان الرئيس الأمريكي جورج بوش راضيا بما حققه. لم تتحرك القوات المتحالفة إلي الخطوط الأمامية بعدما حررت الكويت. كما لم يكن هناك بوادر لانقلاب قد يقوده بعض اللواءات الغاضبين، ولذلك ظهر ــ وكأنه كيد ساحر ــ الوزراء، وغيرهم من موظفي الدولة، ورؤساء الشرطة، وممثلو حزب البعث مرة أخري في مكاتبهم. قمع الانتفاضة عاد صدام مرة أخري إلي سدة الحكم، ولم يتردد في التعامل الفوري مع الشيعة في الجنوب. استطاع صدام في الوقت المناسب سحب قطاعات كبيرة من الحرس الجمهوري قبل عملية عاصفة الصحراء من منطقة العمليات الحربية، مما سمح له وقتها باستخدام تلك القوات الخاصة ضد الثوار الذين افتقروا إلي التنظيم المطلوب، والذين لم يكن بحوزتهم أسلحة ثقيلة. لقد كان التعامل معهم بالنسبة إلي صدام لعبة سهلة. كان البيت الأبيض مترددا لبضعة أيام، لكن سرعان ما أتت من واشنطن إشارات أكثر من واضحة من أن الولايات المتحدة لن تتحالف مع الثوار. قبل بدء التمرد أُرسل صديقي الفريق ركن نزار الخزرجي إلي جنوب العراق ليتولي القيادة العسكرية في الناصرية. تذكروه وقتها من جديد، وعينوه «مستشارا» للرئيس. قال له صدام: «من المحتمل أن الأمريكان يريدون الاستيلاء علي المدينة بمساعدة قوات الإنزال الجوي. لا بد أن تتوجه إلي هناك، وتتولي إجراءات التنظيم الدفاعية». توجه الخزرجي إلي هناك مع هيئة مكونة من ثلاثين ضابطا، وقائدا، ومن بينهم أيضا ابنه نفسه. وما إن وصلوا إلي الناصرية، حتي بدأت الانتفاضة. «ما إن نصبنا معسكرنا في بيت من بيوت المدينة حتي فوجئنا بأننا محاصرون، وبأن النيران تُصب علينا من كل الاتجاهات. فقدت معظم رجالي، وأُصبت أنا أيضا في البطن. وكل ما أستطيع تذكره أنني ألقيت رأسي في حِجر ابني. اتشح كل شيء بالسواد. لم يكن هناك سوي ضوء نجم لامع اخترق الظلماء، قبل أن أفقد الوعي». الخزرجي لصدام: كم يكرهوننا استيقظ الخزرجي في مستشفي الناصرية. قام أحد الجراحين بخياطة البطن بقدر ما استطاع؛ فقد كان محاصرا بكثير من الثوار. كان واحد منهم ذا لحية طويلة وعصابة خضراء علي الجبين. قال «إنني علي جانب كبير من الأهمية، وإنهم يريدون الإبقاء عليّ حيا». بعدها بيومين استولي الجنود علي المستشفي، وعثروا علي الخزرجي. كان ابنه كذلك علي قيد الحياة، وتم تحريره. نقل الخزرجي بالطائرة الهليكوبتر إلي بغداد، حيث أُحضر إلي مستشفي ابن سينا. ذهب صدام لزيارته علي الفور للوقوف علي ما حدث. قال له الخزرجي: «إنه شيء لا يكاد يصدقه العقل.. إلي أي مدي رهيب يكرهنا هؤلاء البسطاء. حتي النساء هجمن علينا ببنادق الكلاشينكوف. لا بد أننا أمعنا في ظلمهم إمعانا كبيرا». رأيت كيف شحُب وجه صدام؛ فلم يرق له ما سمعه، فمنذ دهر سحيق لم يحدث أن قيل له في وجهه إن النظام لم يكن محبوبا علي الدرجة نفسها في كل مكان، وأن الناس لم يكونوا بالضرورة يحبونه كما كان يتوهم. «د. علاء سيوليك عنايته علي أفضل ما يكون» كان هذا كل ما قاله لرئيس هيئة الأركان السابق قبل أن يدلف من الباب محتجبا. لم يتحدث صدام مطلقا عن الأمر، لكنني كنت واثقا من أن الانتفاضة كانت صدمة له؛ فكــل التقــارير التي تلقاها من قيادات حزب البعث، والأمن، والمخابرات كانت لا تنقل له سوي أخبار شعب راض وسعيد في كل أنحاء العراق، مغفلة ما دون ذلك من أخبار. كانت حالة الخزرجي سيئة للغاية؛ فالإصابة التي لحقت به في منطقة البطن لم تُخيّط بشكل صحيح، حيث خرجت الأمعاء والأحشاء من جدار تجويف البطن. باستعمال الداكرون، وهو نسيج صناعي، وبكل ما لديّ من خبرة في مجال جراحة الحروب، وُفقت في إعادة خياطة الإصابة وفي إنقاذ حياته. وحينما وقف الخزرجي علي قدميه مرة أخري بعدها بعدة شهور لم يعد صدام مهتما بخدماته كلواء، فرُكن الخزرجي علي الرف. خنصر صدام في يوم السابع من مارس، والحرب الأهلية علي أشدها، أقلني في الضحي اثنان من حرس صدام الخاص لأتفقد حالة خنصر الرئيس. في بادئ الأمر أقلاني إلي منزل صغير علي مقربة من الجسر المعلق فوق نهر دجلة الذي حطمته القنابل، حيث كان ينتظر هناك اثنان آخران من الحرس الخاص، وتوجها بي إلي قصر الرئيس في الرضوانية. أما الجسر المدمر الذي يمر فوق الطريق السريع للسيارات والمؤدي إلي المطار الدولي فقد تم إصلاحه بعد الحادث المؤسف الذي تسبب فيه سائق سيارة النقل في العام السابق له. في صالة الانتظار بالقصر كان عليَّ الانتظار بعض الوقت سويا مع عبد حمود، سكرتير الرئيس، وأصغر أبنائه قصي. ظهر صدام علينا مرتديا معطفا حربيا أسود اللون. صافح صدام ابنه وعانقه بطريقة تنم عن أنه لم يره منذ فترة طويلة. بعدها تحول صدام إليّ. «كيف حالك، يا طبيب، يا عظيم»؟ أجبته: «بخير»، لألقي بعدها نظرة متفحصة علي خنصره الذي كان في أثناء ذلك قد شُفي شفاء كاملا. «ما تعليق العراقيين علي الأحداث»؟ «آسف يا ريس، لكنني لم أتحدث مع ما يكفي من العراقيين حتي أستطيع الإجابة عن هذا السؤال إجابة شافية». ما هي الصورة؟ لم يُسَلِّم الرئيس بالأمر، وقال لي: «إذن احكِ لي علي الأقل عما يقوله هؤلاء القليلون الذين تحدثت معهم». «ينتابني الشعور بأن ما لقيه الجيش العراقي من مصير ومهانة يخلفان لديه المرارة. ولكنني إذا ما سألت عن غير ذلك من الأمور فإنني عادة ما يساورني الشك في أن ما يقال لي هو الحقيقة فعلا». قبل أن يقلني الحارسان الشخصيان كنت قد تحدثت مع كبار الأطباء، وكبار الممرضات في مستشفي الواسطي. أردت أن أعرف ما تبدو عليه الصورة في مختلف الأقسام. هل كان في مقدورنا الاعتناء بكل المصابين الذين نُقلوا إلينا تباعا بشكل مُرضٍ؟ بطبيعة الحال كان كل شيء علي أتم وجه، فقد كان هناك ما يكفي من الأدوية ومن بقية التجهيزات، كما لم يكن هناك نقص في الأفراد العاملين. واصلت حكاياتي قائلا: «لكنني عندما قمت بنفسي في أعقاب ذلك بجولة تفتيشية اتضح لي أن ثمانين في المائة مما أخبروني به لم يكن صحيحا». ابتسم الرئيس، مضيفا: «أو ربما أكثر من ذلك بكثير». واصلت حديثي قائلا: «إن انعدام الصراحة مشكلة كبيرة في عموم الإدارة. لو أنني كنت قد صدقت ما قاله لي العاملون من معلومات لكان قد غُرر بي، ولوقعت أخطاء فيما أقوم به من خطط قائمة علي هذه المعلومات. وكما قلتُ من قليل يا ريس، فإننا يجب أن نتنبه إلي أفعال الناس، وليس أقوالهم». صمت الرئيس علي إثر ذلك. المجيد الخبير بالقتل نقل صدام الي ابن عمه علي حسن المجيد المسؤولية الرئيسية لقمع انتفاضة الشيعة. كان المجيــــد قد تــــولي قيادة القوات التي زحفت علي الكويت. ربما كان ما قام به من قتل لا هوادة فيه في شمال العراق هو الأمر الذي رشحه في نظر صدام لمهمته الجديدة في جنوب العراق. في مارس من عام 1987، أي بُعيْد الحرب ضد إيران، تولي ابن العم علي حسن المجيد ذو الستة والأربعين عاما التفويض الكامل بقمع حرب العصابات الدائرة لتحرير المناطق الكردية في الشمال بقيادة مسعود برزاني وجلال طالباني.
|
|
| |
عمادالعاشق مشرف
. : عدد المساهمات : 478 نقاط : 679 السٌّمعَة : 5
| موضوع: رد: مذكرات رجل كان مع صدام 10/2/2016, 7:01 pm | |
| مجزرة الأنفال لا توجد أرقام مؤكدة، ولكن بعد عامين ونصف العام كان علي حسن المجيد قد أمسك بما يقرب من 50 ألفا إلي 100 ألف من الذكور الأكراد ما بين الخامسة عشرة والخمسين عاما، وصفّاهم جسديا. أُحرقت ما يقرب من ألفي قرية، وسويت بالأرض. شُرد مئات الآلاف من البشر، كما دُمرت جميع خطوط الكهرباء، والمدارس، والآبار، والمساجد في هذه المناطق. في أثناء إحدي العمليات التي حملت الاسم الحركي «الأنفال» لم يتورع ابن العم عن استعمال الغاز السام، ففي يوم السادس عشر من مارس من عام 1988، دخل المجيد التاريخ من أوسع أبوابه، حينما قصفت الطائرات العراقية قرية حلبجة الكردية بخليط من غاز الأعصاب وغاز الخردل. كانت النتيجة أن فقد ما يقرب من 3200 إلي5000 شخص حياتهم. بهذه المناسبة حصل علي حسن المجيد أيضا علي اسم الشهرة «علي الكيماوي». كثير من أقارب صدام، وأقرب معاونيه كان لديهم الرغبة في المشاركة في قمع التمرد في جنوب العراق، فقد كان من مقتضي الحال أن يثبتوا للرئيس أن علي حسن المجيد ليس وحده من يمتلك من العنف والقوة ما هو مطلوب لتلقين الشيعة درسا لن ينسوه سريعا. كان كلا زوجي الابنتين، حسين، وصدام كامل، وابنه قصي، وسكرتير الرئيس عبد حمود، ونائب الرئيس طه ياسين رمضان، وعزت إبراهيم الدوري، نائب الرئيس لأعلي جهاز حكومي، أي مجلس قيادة الثورة، قد أعلنوا علي الرحب والسعة عن خدماتهم عندما تأكد أن الولايات المتحدة، ولا أي بلد آخر سيتدخل في الحرب الأهلية الدائرة. عدي لا يريد قتل الشيعة كان عدي هو الوحيد الذي رفض المشاركة. روي لي صديقه وسكرتيره الخاص أن قصي حاول جاهدا أن يقنع أخيه. «لا بد أن تقود أنت أيضا إحدي الوحدات»! أجاب عدي: «لا، ليس عندي الرغبة في اغتيال الشيعة». بــدا صدام لي في ضحي هذا اليوم من أيام شهر مارس ــ والحرب الأهلية علي أشدها ــ في قصره في الرضوانية هادئا، ومسترخيا. بعدما فحصت خنصره، بادرني بالقول: «ما رأيك في الذي حدث»؟ فوجئت بهذا الاستفسار. وقلت أرجو أن تسمحوا لي بجمع عددي الطبية ومن ثم أجيبكم، وفي الحقيقة كنت أريد أن أحظي ببضع دقائق لأستجمع فيها أفكاري قبل الإجابة. قلت «لو أنكم دخلتم إلي غرفة ووجدتم فيها قتيلين بالرصاص وصف أحدهما بأنه شهيد والآخر بكونه خائنا. فكيف يمكنكم معرفة صفة أي منهما»؟ قال: «طبعا لا أعرف». فاسترسلت قائلا: «مظاهر الأشياء لا تدلل علي جوهرها، وإن كلام الناس هو المظهر وليس جوهر الحقيقة. والواقع أن مسؤولي الدولة اعتمدوا علي كلام الناس في تقييم الحقائق والبشر، في حين أن العمل هو المقياس الحقيقي. لذلك فان ما جري هو نتيجة هذا الخلط». دعوة للتمشي حملق صدام في وجهي طويلا، وشعرت أنه كان يحاول أن يسبر غور أفكاري بعد الذي قلته. وبعد برهة من الوقت استفسر صدام عما إذا كنت في عجالة من أمري. فإذا لم يكن الأمر كذلك فإنني مدعو لأرافقه في التمشي في الحديقة ليناقشني في أمر من الأمور. كانت الأمطار قد هطلت طوال الصباح، غير أن الشمس أطلت بعد ذلك بأشعتها من بين السحب. أمام البوابة الرئيسية للقصر كان هناك جدار جديد من الطوب قد تم بناؤه. قال الرئيس: «من شأن هذا الجدار أن يشتت صواريخهم المبرمجة من قبل من طراز كروز». من وقت إلي آخر كان علينا تجنب نُقَر كبيرة من الماء موجودة علي الطريق. تبعنا قصي وعبد حمود بمسافة قدرها ثلاثون مترا تقريبا. قال صدام: «كان علي أن أفكر في شيء ما في الأيام الثلاثة الأخيرة. إن عرب المستنقعات (الاهوار ليسوا عربا بمعني الكلمة». كان ما يقرب من نصف المليون من عرب المستنقعات يعيشون في مناطق المستنقعات المغطاة بالبردي التي لا مثيل لها في تاريخ الطبيعة والواقعة شمال البصرة، حيث يلتقي نهرا الفرات ودجلة. ولكن في نهاية الثمانينات اتضح أن هذه المجموعة السكانية كان يزحف عليها مستقبل مجهول للغاية. كان من المخطط تجفيف المنطقة بأكملها، ومعها المستنقعات. بدأ العمل بالفعل في هذا المشروع الذي كان سيرغم غالبية عرب المستنقعات الذين يعيشون هناك منذ مئات السنين علي ترك أكواخهم المصنوعة من البردي وقُرَاهم. يتسبب كل من أسلوب الري، وزراعة الحبوب والخضراوات تحت شمس الشرق الأوسط الحارقة بتبخر كميات هائلة من الماء، وبتصاعد الأملاح الموجودة في التربة إلي سطحها. تؤدي ظاهرة البزل إلي غسل الرواسب الملحية في اتجاه الأنهار، حيث ينتهي بها المطاف في الظروف الطبيعية من النهر إلي البحر. غير أن المستنقعات في العراق كانت كإسفنجة كبيرة تحول بين الاثنين، وتمنع الماء القادم من مناطق الزراعة الرئيسية في داخل البلاد من الوصول إلي الخليج العربي. منذ عام 1948 نصح الباحثون الإنكليز بفعل شيء تجاه ذلك الأمر، ومنه تحويل مسار كلا النهرين العظيمين الواهبين للحياة من حول المستنقعات إلي البحر، وإلا فإن العاقبة ستكون تصاعدا مستمرا في محتوي الملح في نهري الفرات ودجلة تصل إلي مستوي الكارثة. التخلص من الأهوار بالطبع، كانت هناك أيضا أسباب سياسية لموافقة صدام علي مشروع الصرف الشامل لهذه المحميـــة الطبيعية البالـغة مساحتها بين 15 إلي 20 ألف كيلومتر مربع؛ فلم يكــن عنده مانع من أن يضرب عصفورين بحجر ليتخلص نهائيا من عرب المستنقعات. فقد كانوا بالنسبة إليه منذ زمن بعيد كالغصة في الحلق. قال صدام: «منذ ألف ومائتين وخمسين عاما أتوا بثيرانهم السوداء من الهند لأن العباسيين كانوا في حاجة إلي أيدٍ عاملة. ولكن منذ ذلك الوقت لم يطوروا من أنفسهم. هم ليسوا مثل غيرهم من العراقيين، فهم بلا أخلاق». في أثناء الحرب ضد إيران فر كثير من جنود الجيش العراقي ليختبئوا - بالذات - في هذه المستنقعات المليئة بالبردي والقصب الطويل والمستعصي عادة علي الاختراق، حيث وجد كثير منهم العون من أهالي المنطقة التي لجأوا إليها بحثا عن الملاذ. لم يغب هذا أيضا عن الرئيس. في أثناء ذلك أُعلن أيضا أن عرب المستنقعات ضالعون في التمرد. «لقد شجعوا التمرد، فهم لا يشعرون بالانتماء إلي وطننا»! قالها بلا مواربة، لكنني شعرت أنه كان يبحث عن تفسير للتمرد المعترم في الجنوب، وعن كبش فداء. «لا يمكن الوثوق بعرب المستنقعات هؤلاء. إنهم يكذبون، ويسرقون، وليست عندهم نخوة. إنهم ليسوا مثلنا. كما أن نساءهم يتسمن بالإباحية المطلقة وبانعدام الأخلاق. إن حياتهن غير محترمة». توقفنا عند غدير صغير في الحديقة. أضاءت أشعة الشمس الرئيس من الخلف. لم يكن يعد أحدنا إلا بمسافة نصف المتر أو ما دونها. أثارت أذناه إعجابي فجأة حتي أنني لم أعد أسمع ماذا كان يقول. كانت شحمتا أذنيه شفافتين بفعل ضوء الشمس، كما لو كانتا مصنوعتين من شمع رمادي اللون، وكما لو كانت الدماء لم تعد تجري فيهما مطلقا. لم أستطع أن أمنع نفسي من تأمل جفنيه عن كثب. كانا ثقيلين، مرتخيين، وقد غطيا رموشه تقريبا. لكن عينيه لا تزالان تحملقان وتشعان بريقا من عدم الثقة والتوجس. عرب.. أمة عظيمة بعدما انتهي موضوع «عرب المستنقعات الغدارين والخونة» بدأ الرئيس في طريق العودة إلي القصر في إلقاء محاضرة عن مدي تقديرنا العظيم لأنفسنا كعراقيين لكوننا عربا من ناحية، ولتمسكنا بالدين الإسلامي من ناحية أخري. قال لي: «لأننا عرب، فنحن أمة عظيمة، زاد من عظمتها كثيرا أنها بُنيت علي الإسلام». بعد ذلك أراد الرئيس أن يعرف لماذا سميتُ ابني الأكبر سومر. سألني: «لماذا بالذات هذا الاسم»؟ أجبته بقولي: «لأقرنه بمهد الحضارات، مملكة السومريين». لا أستطيع إلي الآن تخيل أن أجدادنا الأوائل منذ خمسة أو ستة آلاف عام قد بدأوا بالفعل في الكتابة، وفي زراعة الأرض، وفي بناء المدن وسن القوانين واحترامها. لا أحد يعرف كم من الناس قُتلوا أو اعتُقلوا حينما سُحِق بشكل كامل التمرد العفوي للشيعة في غضون أسابيع قليلة. لكن كما كان متوقعا فإن علي حسن المجيد، وقصي، وعبد حمود، وعزت إبراهيم الدوري، وطه ياسين رمضان، والأخوان حسين وصدام كامل، وبقية خلصاء صدام كان الأمر بالنسبة إليهم لعبة سهلة. لم تردعهم الولايات المتحدة الأميركية، ولا الأمم المتحدة عن استعمال المدافع، والعربات المصفحة، والمروحيات المقاتلة فيما اقترفوه من مذابح شاملة. كان انتقام صدام بشعا، مثله مثل بشاعة تعقب الشيعة المحموم لرجاله، في بداية الحرب الأهلية. شاحنة مقابر جماعية لما كان عدد كبير من عشيرة الجبور التي أنتمي إليها هم من الشيعة فقد كنت اطلع سريعا علي ما يجري من أحداث. واحد منهم، صالح الجبوري، كان يقيم في الإسكندرية التي تقع علي ما يقرب من ستين كيلومترا جنوب بغداد. سُميت هذه المدينة الصغيرة علي اسم الإسكندر الأكبر الذي أمر جنوده بنصب معسكرهم هناك حينما زحف بجيشه من 2330 عاما، أو يزيد نحو الشرق لغزو دولة الفرس. كان الجبوري واقفا أمام منزله حينما مرت من أمامه سيارة نقل عسكرية متوجهة إلي أرض بوار شمال المدينة. كان يقف علي ظهر السيارة نساء ورجال وشباب يبلغ عددهم نحو الخمسة والعشرين، كان يحرسهم جنود الحرس الجمهوري. وبعد مرور ساعتين شاهد سيارة النقل عائدة. روي الجبوري: «كان ظهر السيارة فارغا». بعد ذلك بأربعة أيام عرف الجبوري من جيرانه في الإسكندرية أنهم سمعوا نباح كلاب متوحشة في الصحراء، وبالأحري في المكان الذي شوهدت فيه أيضا سيارة النقل. توجه الجبوري إلي هناك، ورأى الجثث. لم تكن مدفونة دفنا صحيحا مما جعلها وليمة للكلاب. كان هؤلاء الضحايا من مدينة كربلاء، حيث تعامل الحرس الجمهوري مع الأحياء الرئيسية بالقرب من الضريح البهي تعاملا وحشيا للغاية. سُويت الأسواق الفريدة من نوعها بجوار الضريح تسوية كاملة بالأرض. اغتيل عدد لا حصر له من الأبرياء من النساء والأطفال. لم يراع جنود القوات الخاصة البشر، ولا الآثار الحضارية حينما هاجموا المدينة بمروحياتهم ودباباتهم. خلّف هؤلاء الجنود وراءهم أضرارا في المقدسات والآثار لا يمكن إصلاحها، سواء أكان هذا في كربلاء، أم في النجف، ثاني مدن جنوب العراق قداسة.
|
|
| |
عمادالعاشق مشرف
. : عدد المساهمات : 478 نقاط : 679 السٌّمعَة : 5
| موضوع: رد: مذكرات رجل كان مع صدام 10/2/2016, 7:02 pm | |
| ############## الحلقة السابعة: ############## عدي وحسين كامل استوردا كل شيء من ملالي إيران أصبح رجل سبعاوي مقاولاً كبيراً فسرق معداته من العراق كله الجوع بعد انتهاء حرب الخليج، وقمع الانتفاضة في الجنوب، والشمال، بدأ زحف الفضائيات، حيث اقتنيت أنا الآخر جهاز استقبال معه طبق كبير فوق السطح. لم يكن هذا مسموحا به تماما من وجهة النظر القانونية، غير أن النظام أغمض عينيه عامدا عن أننا وسعنا دائرة برامجنا الإخبارية، والمغامرات المسلية بعض الشيء، ولم نقنع بما تفرضه علينا التلفزيونات الحكومية، وتلفزيون الشباب التابع لعدي. سفاح الفلوجة بعد فترة من الوقت تحولت الأطباق فوق أسطح منازل بغداد إلي غابة حقيقية. هنا قرر صدام أن الأمر قد تجاوز الحد، وأعطي توجيهاته لأخيه غير الشقيق سبعاوي التكريتي، الرئيس الجديد للمخابرات، بالتدخل. قام سبعاوي بدوره بتحويل هذه المهمة إلي عامله المخلص إبراهيم علاوي. كانت مدينة الفلوجة هي مسقط رأس علاوي الذي كان واحدا من أكثر سفاحي النظام فسادا ودموية. رقي إلي رتبة اللواء، وأصبح مديرا لأمن بغداد. في ذات عصر يوم من الأيام وقف رجاله أمام بابي لقطع الإرسال الفضائي. «نما إلي سمعنا أنك تملك جهاز استقبال فضائي»، قالها ضابط الشرطة. كان برتبة النقيب، وارتدي مثل مرافقيه من الضباط الزي المدني. رددت عليه بقولي: «ليس هذا سرا، فما عليك سوي النظر إلي السطح». لم نحاول مطلقا إخفاء الطبق كبير الحجم. قال: «هذا غير مسموح به». «وكيف لي أن أعرف هذا؟ فحسب ما أعرف فإن مثل هذا الحظر لم يعلن عنه أبدا في الجرائد، ولا في التلفزيون». «إن هذا محظور». دخلوا إلي المنزل، وأخذوا جهاز الاستقبال معهم. «سنحضر غدا لأخذ الطبق». تجارة الأطباق بعدما رحلوا عنا أرسلت ابني الأوسط تحسين إلي السطح. بالطبع كنا نعرف ماذا كان يحدث. كان أخو صدام غير الشقيق، وإبراهيم علاوي يجنيان مبالغ طائلة من حظر الإرسال الفضائي. من كان عنده استعداد لدفع بعض المال كان يسمح له بالاحتفاظ بجهاز الاستقبال والطبق. أما من كان يرفض فلم يكن أمامه إلا أن يرضي صاغرا بأن يصادر جهاز الاستقبال والطبق، وأن يباع بعد ذلك لمشاهد جديد لديه استعداد أكبر للدفع. وبما أنني كنت علي علاقة جيدة مع الرئيس فلم يجرؤ النقيب في هذه الحالة علي أن يقترح حلا عمليا لهذا الأمر. حلَّ تحسين مسامير «القلاووظ» الممسوك بها طبق الاستقبال، وتركه يهوي هكذا بكل بساطة علي الأرض. ثار رسول اللواء علاوي ثورة عارمة حينما وجد الطبق في صباح اليوم التالي محطما. انتشرت الإشاعات في بغداد حول هذه الأحداث. وفي ذات يوم عندما كنت أعالج ساجدة، الزوجة الأولي للرئيس، أثارت معي الموضوع. «سمعت أن رجالا من الشرطة السرية كانوا عندك ليصادروا جهاز الاستقبال الخاص بك. لقد كان فعلا شيئا رائعا أنك حطمت الجهاز في وجودهم، هكذا بكل بساطة». «لم يكن الأمر هكذا تماما، فالـصحيح أن الطبق تحطم قبل أن يستطيعوا أخذه». «ومع ذلك فقد كان عملا رائعا منك». لم أقتن جهاز استقبال جديد. كان يمكنني في الغالب تركيبه والاحتفاظ به أيضا، لكنني كنت سأعطي وقتها قطيع الذئاب المحيط بالرئيس فرصة سانحة للطعن فيّ، فدائما ما كان هذا القطيع يبحث عن نقاط ضعف يمكن أن يستغلوها في هذه الدوامة الأبدية من الحقد، والمؤامرات، والصراع حول النفوذ. معاقبة سفير كان علي السبتي واحدا من العاملين في السلك الدبلوماسي. كان سفير صدام في طرابُلس. وعندما عاد في منتصف التسعينات من ليبيا إلي بغداد اقتني جهازا لاستقبال الإرسال الفضائي. كان منتقدا ، لاذعا في سخريته، وكان لا يترك شيئا تقريبا مما يحدث من حوله إلا وأبدي عليه تعليقه. أصبح مدير إدارة في وزارة الخارجية، حيث وقعت في دائرة اختصاصه العلاقات مع إيران بالذات. لم يلق أسلوبه وتعليقاته هوي خاصا لدي الوزير محمد سعيد الصحاف. ذات يوم «اكتشف» الأمن كل من الطبق وجهاز الاستقبال الخاصين بعلي السبتي. دخل مدير الإدارة إلي السجن، حيث أُفرج عنه بعد ثلاثة أشهر ليمْثُل أمام الرئيس الذي قال له: «لقد عاقبتك حتي يري الناس أنني أعاقب أيضا ـ إذا اقتضي الأمر ـ المقربين مني. لا بد أن تدرك أنني جاد فيما أقوله من حتمية احترام القوانين والقواعد». في أعقاب ذلك ربت صدام علي كتف السجين المفرج عنه في حنو، وأرسله سفيرا إلي البحرين. سرقة سيارة لي ابن عم اسمه معين قاسم. كان معين مقاولا، حيث كان يقوم قبل حرب الخليج، وانتفاضة الشيعة بعدة أعمال مقاولات في مدينة العمارة في جنوب العراق. في أثناء الحرب، وفي أثناء الاضطرابات كان يقيم في بغداد. وحينما عاد بعد الانتفاضة إلي العمارة مرة أخري اكتشف اختفاء إحدي سيارات النقل من موقع العمل الذي كانت شركته تتخذ منه مقرا لها. دُهش لذلك الأمر لأنه كان قد اتفق مع العشيرة قوية النفوذ التي تفرض كلمتها علي المدينة ألا تدع سيارات النقل الخاصة به تغيب عن ناظريها. وعندما سأل شيخ العشيرة عما حدث أجابه قائلا: «أتي رجال من الشرطة السرية، وقالوا إن اللواء علاوي في حاجة إلي سيارة النقل هذه». أتاني معين سائلا العون. ذهبنا إلي أحد المكاتب الواقعة في حي الجادرية. كان إبراهيم علاوي يدير من هذا المكتب إمبراطورية أعماله الخاصة التي كانت متشابكة تشابكا دقيقا مع مهامه الرسمية كرئيس للشرطة السرية في بغداد. السجق الطويل كان رجلا طويل القامة، بدينا بشكل غريب، في منتصف الخمسينات من عمره. كان شعره قد خفّ، وكان رأسه مستديرا ككرة القدم. كان معظم أجزاء جسده، الذراعان، والساقان، والأصابع تستدعي إلي الذاكرة منظر السجق الطويل المنتفخ. كان بطنه المنتفخ مسترخيا من تحت حزامه. ان اللواء يمتلك طائفة كبيرة من الشركات، وأخذ يعمل الآن أيضا بهمة ونشاط في مجال مقاولات البناء. بعد القصف الذي وقع في أثناء حرب الخليج كان هناك كثير من الطرق، والجسور، ومحطات الطاقة في حاجة إلي إعادة البناء أو الإصلاح. انتشر رجاله ممن يعملون في الشرطة السرية في طول العراق وعرضها ليجمعوا ما كان يعوزهم من سيارات النقل، ومن معدات البناء. كانوا يستولون هكذا بكل بساطة علي ما كانوا في حاجة إليه. اكتشف ابن عمي سيارة النقل الخاصة به في أحد مواقع العمل الخاصة بعلاوي. «هل يمكن أن أستعيدها»؟ «لقد دفعت ثمنها. اشتريتها من رجل من الرمادي». سألته: «هل يمكنك أن تخبرنا باسم الرجل ومحل إقامته»؟ دفع ثمن الشاحنة بطبيعة الحال كان اللواء قد «رمي للأسف» قصاصة الورق التي تحتوي علي اسم وعنوان البائع. قلت: «أظن أن علينا الآن التوجه إلي دائرة شكاوي الرئيس لكي نجد من يساعدنا». كان لهذه الجملة أثرها؛ فقد رأيت كيف بدا الخوف عليه. «بما أن الأمر يتعلق بك يا د. علاء، فإنني سأدفع تعويضا لابن عمك». اصطحبني إلي غرفة مجاورة. كانت غرفة كبيرة، في حجم غرفة النوم، اصطفت فيها علب وكراتين امتلأت بالدنانير العراقية. علي الرغم من أن قيمة الدينار كانت تتناقص يوما بعد يوم بسبب التضخم كان اللواء يحتفظ بكميات هائلة من النقود السائلة في الغرفة الخلفية الخاصة به. حصل ابن عمي في مقابل سيارة النقل الخاصة به علي 750 ألف دينار، أي ما يعادل 250 دولارا أمريكيا، في حين أن قيمتها السوقية كانت تعادل 10 آلاف دولار. «يمكننا أن نكتب للرئيس»، كان هذا ما اقترحته علي ابن عمي. أجابني بقوله: «لا، أنا لن أعرض حياتي للخطر من أجل سيارة نقل». كان عند اللواء إصابة في الظهر أبت علي الشفاء. رجاني أن ألقي عليها نظرة، وكشف عن نصفه العلوي. لم أكن مهتما أدني اهتمام بعلاج جبل الدهون هذا، لذا أخذت أجيبه عن أسئلته بخصوص ما يجب فعله إجابة مائعة ومتهربة.
|
|
| |
عمادالعاشق مشرف
. : عدد المساهمات : 478 نقاط : 679 السٌّمعَة : 5
| موضوع: رد: مذكرات رجل كان مع صدام 10/2/2016, 7:03 pm | |
| الرقابة علي الوزن كان من المثير للغرابة فعلا أن يكون مثل هذا الرجل المفرط في بدانته لا يزال يعمل في الخدمة العامة، بينما سنَّ صدام قواعد واضحة بخصوص تمتع الموظفين، والضباط بوزن مثالي بعينه يرتبط بطول الجسد، والسن، ولا يسمح بتجاوزه إلا بعدد معين من الكيلوغرامات. فإذا زاد وزنهم عن ذلك فإنهم كانوا يتلقون إنذارا بإنقاص وزنهم في غضون ستة أشهر من تاريخه. فإذا لم يوفقوا في إنقاص وزنهم فإنهم كانوا يتلقون إشعار فصلهم من العمل. قلت للواء: «أرجو المعذرة، ولكن كيف تمكنت من الالتفاف علي الرقابة الإجبارية علي الوزن»؟ أجابني بقوله: «شفع سبعاوي لي عنده». اتضح أن علاوي كان قد فُصل، غير أنه حينما عُين أخو صدام غير الشقيق رئيسا للأمن العام تدخل هذا الأخير لصالح علاوي. استُدعي اللواء علاوي ليمْثُل أمام الرئيس الذي طالبه بتفسير لبدانته. «ضـربت بيــدي عــلي بطنــي الكبـير، وقلت له: ها هنا في الداخل دماء أعدائكم»! تهللت أسارير علاوي عندما حكي لي هذه القصة. لم يتفوق عليه في تعذيب وقتل العراقيين في أثناء الخدمة سوي قليلين، ففي الفترة التي قضاها اللواء علاوي في منصبه لا شك أن عدد الضحايا قد تجاوز الآلاف. تسعيرة الرز لم يمر كثير من الوقت بعد حلول أول أيام عام 1992 حتي كان صدام قد حدد تسعيرة إجبارية لبيع الأرز، والقمح، والسكر، وغيرها من المواد الغذائية الرئيسية. كان خطر فقدان السيطرة الكاملة علي التضخم يتهدد العراق، مما دعا الرئيس إلي اللجوء لهذا الإجراء المعروف، الفاشل اقتصاديا في معظم الأحوال لكبح جماح التضخم. سرعان ما اتضح أن كثيرا من التجار تجاهلوا هذا الأمر الإداري تجاهلا كاملا؛ فلو أنهم التزموا بالأسعار التي تحددها السلطات لما استقامت حساباتهم في ظل عدم انسحاب هذا الأمر الإداري علي أسعار تجارة الجملة. لذلك استدعي الرئيس سبعاوي، وكلفه بأن يقدم مثالا علي سبيل الإنذار يكون عظة للآخرين، يخيفهم ويرعبهم. انشغل اللواء علاوي ومعه الشرطة السرية بهذا الأمر. كان ابني سومر يدرس وقتها في الجامعة التكنولوجية ببغداد، وكان له زميل بارع الذكاء اسمه محمد رحيم من عائلة فقيرة. أخذت الأسرة والأصدقاء يجمعان المال سويا حتي يحقق حلمه بأن يكون مهندسا. كان لوالد أحد أصدقائه بقالة صغيرة. كانت فرصة لهذا الطالب الفقير أن يتكسب بعض المال من العمل هناك ليلا. حجة البقالة في مساء أول يوم كان فيه محمد وحده في العمل، دخل واحد من ضباط علاوي من الشرطة السرية البقالة. سأله عن ثمن كيلو الأرز. ذكر له الطالب السعر الذي حدده له صاحب البقالة. تجاوز هذا السعر ما كان محددا رسميا من تسعيرة إجبارية. قُبض علي الطالب، ولم يشفع له قسمه بأنه بريء، وقوله إنه لم يكن يعرف إنه كان يفعل شيئا محرما. أوسعوا الطالب ضربا وربطوه بالأغلال الحديدية لمدة أربع وعشرين ساعة كاملة أمام البقالة، وقد عُلقت يافطة حول عنقه تقول إنه لص يخدع الشعب. في اليوم التالي شنقوا محمدا. ذهب ابني سومر لوالدي محمد ليقدم لهما واجب العزاء. كانوا من الفقر إلي درجة أنه لم يكن عندهم حتي أي أثاث. في بغداد وحدها أُعدم ما يزيد علي أربعين من تجار السلع الغذائية في أعقاب الرقابة علي الأسعار. لم يكن هناك ما يمكن أن نسميه محاكمات للطلبة، ولا لغيرهم ممن قبض عليهم خلف طاولة البيع في المحل. كان عدد لا بأس به ممن شُنقوا أقارب وأصدقاء طيبين لصاحب الدكان، قاموا بالإشراف عليه في الوقت الذي كان فيه صاحبه للحظات في الخارج. لم تُرفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة بعد غزو صدام للكويت حتي بعد انتهاء حرب الخليج. أدت هذه العقوبات إلي مزيد من التسريع بالانهيار الاقتصادي الذي ظهرت بداياته بعد الحرب ضد إيران. لم تفرض الأمم المتحدة في القرن العشرين مثل هذه العقوبات الهائلة علي أي بلد آخر من قبل. أصابت العقوبات أهم قطاع اقتصادي للعراق بالشلل، ألا وهو تصدير النفط. بدون عائدات تصدير النفط لم يعد في إمكان النظام الإبقاء علي مستوي معيشة مقبول للعراقيين. أخذت الأمراض والفقر في الاستفحال يوما بعد يوم. ازداد عدد الآباء اليائسين والبائسين الذين اضطرتهم الظروف إلي أن ينام أطفالهم من غير عشاء. في كل أنحاء العراق الذي نزل إلي خط الفقر نمت بيوت المزادات كالأعشاب الشيطانية التي كان الناس فيها يتصرفون في كل ما لديهم من حلي، ومن أشياء ثمينة، ومن أجهزة كهربية، ومن أثاث، وأحيانا أنفسهم. النفط مقابل الغذاء كان مجلس الأمن قد عرض بالفعل في عام 1991 أن يقوم صدام ببيع كمية محددة من النفط ليشتري في مقابلها المواد الغذائية والأدوية للفقراء من السكان المدنيين. غير أن الرئيس رفض. كان يريد أن تُرفع العقوبات كلية، ولم يرض بأي حل جزئي كان في إمكانه أن يجعل حياتنا أيسر. كُتب علينا أن يمر ما يقرب من خمس سنوات حتي أدرك صدام حقيقة الحالة الاجتماعية، ووافق علي شروط برنامج «النفط مقابل الغذاء». وإلي أن حدث ذلك كان علي عشرين مليونا من العراقيين تحمل أهوال يمكن بالفعل مقارنتها بتلك التي كانت أثناء الحرب ضد إيران، وضد الكويت، وبتلك التي كانت أثناء الحرب الأهلية في الجنوب، والشمال. لم يكن لتحديد الأسعار الذي اتخذه صدام أي تأثير عميق الأثر، بل ربما أي تأثير علي الإطلاق. أخذت أسعار المواد الغذائية، وغيرها من ضرورات الحياة ترتفع يوما بعد يوم، في حين ظلت الأجور علي حالها. كان سمير علي الشافي يتحصل شهريا من عمله كمحرر للأخبار الثقافية، وكناقد فني في صحيفة «ألف باء» الأسبوعية التي كانت تصدرها وزارة الإعلام علي 2800 دينار. في ذلك الوقت كان الدولار الأميركي الواحد عند بائع العملة علي ناصية الشارع يساوي 3000 دينار. حياة عائلية لكي يستطيع محرر الأخبار الثقافية هذا أن يشتري الطعام لزوجته، ولبناته الثلاث، ولنفسه اضطر إلي بيع سيارته أولا. بعدها تصرف في ذهب وفي حلي زوجته، وفي جهاز التلفزيون، وفي الأثاث. حتي أسرَّة الأطفال آلت إلي بائع العاديات. في نهاية المطاف أصبح الأثاث يتكون من أربع مراتب فحسب. كما نجحوا في الإبقاء علي موقد صغير يعمل بالكيروسين استطاعوا أن يستخدموه في الطبخ وفي التدفئة، بالإضافة إلي إناء صغير وأربعة أطباق. «كانت الأطباق كبيرة للغاية، أضف إلي ذلك أن الحصة اليومية من المكرونة كريهة الرائحة التي كانت الشيء الوحيد الذي نستطيع شراءه كانت تبدو قليلة جدا علي الطبق». أما الخبز فلم يعرف طريقه إلي أفواههم، لأن ما كان في مقدورهم شراؤه من الخبز كان أسود اللون، بغيض الرائحة، ويستدعي إلي الذاكرة ذلك الخبز المقدد الرقيق الجيد من الأيام الخوالي. «تكوّن لديَّ الانطباع أن دقيق المطاحن الحكومية كان يخلط بأي شيء كان يمكن خلطه به بشكل أو بآخر»، هذا ما تذكره الشافي. كل يوم كان الشافي يقطع مسافة ستة كيلومترات من مسكنه في حي المنصور إلي مكتبه في وزارة الإعلام بالقرب من قصر الجمهورية في وسط العاصمة بغداد سيرا علي الأقدام، وهكذا كان يعود دائما. لم يكن عنده نقود للباص أو لسيارة الأجرة، أو مال لشراء دراجة. «حتي البيضة لم نكن نقدر علي ثمنها. بطبيعة الحال لم تكن الفاكهة أيضا محل تفكير. غير أن أسوأ شيء بالنسبة إلي كان هو إحساسي بفشلي كأب، لأن الأطفال كان عليهم أن يذهبوا إلي النوم بدون شُبعة من طعام».
|
|
| |
عمادالعاشق مشرف
. : عدد المساهمات : 478 نقاط : 679 السٌّمعَة : 5
| موضوع: رد: مذكرات رجل كان مع صدام 10/2/2016, 7:04 pm | |
| نخبة.. التهريب أما النخبة الحاكمة فلم تعرف الجوع. ففي أوقات العوز هناك دائما ما يمكن تكسبه من التهريب، وتجارة السوق السوداء. فقد اغتنم عدي ــ الابن الأكبر للرئيس ــ فرصته في نعيم التجارة الذي تنامي أثناء العقوبات. أصبحت هذه القصة الليلية المؤسفة حين ضرب عدي كامل حنا ــ الخادم الشخصي لأبيه ــ في أغسطس من عام 1988، ولقي فيها حتفه، ورقة مطوية من زمن بعيد في أوساط العائلة، حينما انتهت حرب الخليج، وحينما تم قمع الانتفاضة في جنوب وشمال البلاد. شيئا فشيئا بدأ الابن الأكبر للرئيس في استعادة اعتباره مرة أخري. قدمت له السوق السوداء وصفقات التهريب، التي أخذت في الازدياد السريع يوما بعد يوم بعد العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة، فرصا لا تُعد ولا تحصي لتحقيق ثروة طائلة. «الأمير وشركاه»، كان هذا هو اسم الشركة التي أسسها عدي وقريبه حسين كامل في هدوء شديد مع نهاية عام 1991 لاستيراد السلع والتجهيزات الخاضعة للحظر الاقتصادي من قِبل الأمم المتحدة. تم اختيار الاسم بعناية؛ فقد كانت لكلمة «الأمير» أهمية خاصة للغاية عند الشيعة. كان المقصود بالأمير هو الإمام علي، ابن عم الرسول، صلي الله عليه وسلم، وزوج ابنته، المدفون في النجف، تلك المدينة المقدسة لدي الشيعة، والتي تقع علي بعد 200 كيلومتر تقريبا جنوب غرب بغداد. إن الإيرانيين شيعة، وقد أراد الاثنان عقد الصفقات مع الإيرانيين. كان حسين كامل وزيرا للصناعة، والمسؤول الرئيسي عن التسليح الحربي للعراق آنذاك. سرعان ما أقامت الشركة علي الناحية الأخري من الحدود ما يلزم من الاتصالات، وعقدت الصفقات. بهذا أصبح في مقدور حسين كامل التحايل علي العقوبات، والحفاظ علي استمرار العمل في المصانع التي تتبع وزارته. أما عدي فكان يحصد الأرباح. صفقات مع إيران لا تهم عقوبات الأمم المتحدة أو غيرها، فلم يكن لدي الأئمة في إيران مانع من تولي مسؤولية فتح ما هو ضروري من المنافذ الحدودية، طالما درّ هذا عليهم فوائد مالية. كانت شركة الأمير وشركاه تشتري وتستورد كل شيء تقريبا مما كان ينقص الصناعة وغيرها من قطاعات الاقتصاد، والمستهلكين، وكانوا في حاجة إليه. سيارات من ألمانيا، آلات الحصاد والدراس، وأرز من تايلند، وكونياك من فرنسا، كل هذا استطاع عدي وحسين كامل بمساعدة أصدقائهم الإيرانيين توريده بأسعار السوق السوداء الباهظة. وعن طريق القنوات نفسها التي كانت تعمل بكفاءة في إيران وجد النفط، والاسمنت، واليوريا، والبلح طريقها من العراق إلي إيران. «استطاع عدي أن يحقق من هذه الصفقات أموالا طائلة»، هذا ما رواه لي فيما بعد سكرتيره الخاص ظافر محمد جابر مضيفا: «مئات المئات من ملايين الدولارات من هذه الصفقات مع الإيرانيين وضعها عدي في جعبته». كانت حياة محرر الأخبار الثقافية سمير الشافي وعائلته صعبة، لكنه كان مع ذلك لا ينتمي إلي طبقة المُعدمين؛ فهو في نهاية المطاف كان لديه عمل في هذا الوقت العصيب حتي عام 1996 حينما اتفق صدام أخيرا مع مجلس الأمن الدولي بعد شد وجذب طويلي الأمد علي أن يسمح للعراق ببيع كمية لا بأس بها من النفط مقابل الحصول علي المواد الغذائية، والأدوية للسكان المدنيين الذين أخذ فقرهم، وجوعهم، ومرضهم يتزايد. حينما بُدئ أخيرا بالعمل وفقا لبرنامج النفط مقابل الغذاء في ربيع عام 1997، وبُدئ شهريا بتوزيع الأرز، والقمح، والسكر، والشاي، وزيت الطعام، والصابون في كل أنحاء العراق وضع هذا حدًا للمجاعة العامة. غير أن العقوبات، والفساد، وسوء الإدارة من قبل النظام أصاب العراقيين بمعاناة لا يمكن وصفها. كان أكثر المتضررين هم من كانوا بلا عائل. مجاعة كانت تسكن مع سمير الشافي في الحي نفسه أرملة وبناتها الأربع اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين الخامسة والسادسة عشرة. كان عائل الأسرة قد توفي عام 1989، حيث كان عقيدا في الجيش. لم يكن في مقدور الباقين من أسرته العيش من معاش الزوج من الجيش. «كان بشعا أن تشاهد كيف كانوا يتضورون جوعا، وكيف أنهم بعد وقت قصير كانوا يعانون النقص في كل شيء. لكننا نحن أنفسنا في نهاية المطاف لم يكن لدينا أي شيء، ولم يكن باستطاعتنا الوقوف بجانبهم». في ذات يوم دخلت الابنتان الأكبر سنا إلي الحمام، صبتا فوق رأسيهما البقية الباقية من الكيروسين، وأضرمتا في نفسيهما النار. وجدوهما، وقد احتضنت إحداهما الأخري. «زحفت الأم بأصغر بناتها إلي الموصل. لا أعرف ماذا حدث لهما هناك، لكنهما لم تعودا إلي بيتهما ثانية علي الإطلاق». مظفر العلي كان واحدا من كثيرين ممن افتتحوا محلا لبيع العاديات. كان لواء متقاعدا، وتعود معرفتي به إلي أيام كنت طبيبا شابا في السلاح الجوي. ذات مساء أتي رجل شاب إلي بائع العاديات ليبيع جهاز فيديو. «هل يمكنك أن تأتي معي، وتلقي نظرة عليه؟ أنا أسكن هنا عند ناصية الشارع». عندما وصل العلي إلي المنزل الصغير لفت انتباهه أنه بلا أبواب أو نوافذ. حتي الإطارات بيعت، كما لم يكن هناك أثر للأثاث أو غيره من المتاع. علي سجادة بجوار موقد من الكيروسين جلست امرأة شابة. كان بجوارها طبقان من الصفيح، أما جهاز الفيديو الذي كان من طراز غير مألوف في العراق فكان موضوعا في إحدي زوايا الغرفة. كان هذا الجهاز فيما يبدو من غنائم الحرب ضد الكويت. قال العلي: «أنا آسف، لكن هذا الجهاز لن يشتريه مني أحد». نظر إليه الرجل الشاب نظرة يائسة. «حسنا، ولكن إذا أردت يمكنك النوم مع زوجتي»، وأشار إليها. ذهب اللواء العلي. «شعرت أن الدنيا تدور بي، وكاد أن يغمي عليّ. بدا لي أن ما وصل إليه الناس من معاناة شيء لا يمكن للعقل أن يتصوره»، هذا ما قاله لي العلي حينما روي لي عن زيارته لهذه العائلة الشابة.
|
|
| |
عمادالعاشق مشرف
. : عدد المساهمات : 478 نقاط : 679 السٌّمعَة : 5
| موضوع: رد: مذكرات رجل كان مع صدام 10/2/2016, 7:13 pm | |
| لقراءة الكتاب كاملا مع رابط التحميل
كتاب كنت طبيبا لصدام
اتمنى لكم اسعد الاوقات
|
|
| |
امنيات ضائعه عضو ملكي
. : عدد المساهمات : 247 نقاط : 333 السٌّمعَة : 2
| موضوع: رد: مذكرات رجل كان مع صدام 11/2/2016, 2:11 pm | |
| يعطيك العافيه دمت ودام حضورك الراقي وفيض قلمك الجميل تقديري لسموك ۞ توقيعي ۞ |
|
| |
ملاك الروح Vip
. : عدد المساهمات : 544 نقاط : 775 السٌّمعَة : 1
| موضوع: رد: مذكرات رجل كان مع صدام 16/2/2016, 2:51 pm | |
| لن أأتي هنا لأعبر لك اعجابي بموضوعك فقط بل لأقول بأنني أجد دائما بما تكتبه صدق وروعة تقبل تقديري واحترامي |
|
| |
|