مقهى حسن عجمي اشتهر باعتباره مقهى للأدباء العراقيين منذ الثلاثينات من القرن الماضي، ويمتد عمره لقرن كامل، وتحل في هذه الأيام الذكرى المئوية لافتتاحه، كان افتتاحه في عام 1917 بعد توسيع شارع الرشيد من قبل الوالي العثماني خليل باشا في عام 1910. ومن رواده الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري، الذي ذكره في مذكراته بجزأيها، وكان من رواده منذ عام 1926 وبقي كذلك حتى بعد أن صار نائباً في مجلس النواب العراقي في العامين 1947 و1948.
المقهى الذي كان يفرشه صاحبه حسن عجمي -أبوفلح- ويغطي جدرانه الداخلية بالسجاد الكاشان، ويمنع فيه لعبة الطاولة لكي لا تؤذي أصوات قطعها الزبائن، بدا في عام 2017 متهالكاً وخَرِباً يكاد ينهار على رواده. انتفخت جدرانه بفعل الرطوبة. وامتلأ المكان برائحة عفونة مقززة، وأدخنة النرجيلات والسجائر، وغطيت بوابته الرئيسية ببطانية قديمة بطريقة بدائية، لمنع الرياح الباردة من مضايقة الزبائن -كان للمقهى في الثمانينات من القرن الماضي باب زجاجي يغلق ذاتياً-.
غادر الأدباء المقهى إلى أماكن أخرى، ومعظم زبائنه اليوم من المتقاعدين، وأصحاب البسطات، الذين ألفوا المكان، واعتادوا تدخين نرجيلاتهم وتناول شايهم الثقيل فيه.
كان المقهى التراثي البغدادي في عصره الذهبي خلال الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وحتى التسعينات يغص بأدباء بغداد والقادمين من المحافظات لقضاء شؤونهم في العاصمة. رواده من الشعراء السياب والبياتي وبلند الحيدري وسعدي يوسف، وارتاده قصاصون كيوسف الحيدري -توفي فوق إحدى مصطباته بسكتة قلبية في عام 1993- ومحمد شاكر السبع وموسى كريدي وحنون مجيد وحسب الله يحيى، وروائيون كفؤاد التكرلي وعبدالخالق الركابي وعبدالستار ناصر وأحمد خلف، وشعراء كسامي مهدي وأديب كمال الدين وعدنان الصائغ ومعد الجبوري.
انهيار وشيك
لم يبق من المقهى سوى اسم صاحبه حسن عجمي، الذي توفي في الخمسينات من القرن الماضي تاركاً إرثاً ثقافياً يُذكّر بقامات أدبية عراقية شامخة ترددت كلماتها بين جدرانه. واقترن اسم المقهى بأغلب إبداعاتهم الشعرية كقصيدة “المقصورة” التي كتب الجواهري الكبير نصفها في هذا المقهى، والنصف الآخر كتبه في بيته قريباً من دجلة. وكتب محمود البريكان القسم الأول من قصيدته “حارس الفنار” كما أخبرنا يوماً حين زرناه أنا والشاعر عبدالخالق محمود في مكتبه بكلية التربية، التي كان يعمل فيها أستاذاً في الثمانينات من القرن العشرين.
يعتقد البعض خطأ أنَّ صاحب المقهى أبوداود، الذي توفي في عام 2003، وهو صاحب الشاربين الكثين و”الجراوية” الشهيرة، التي يعتمرها أثناء خدمته للزبائن. وأبوداود في الحقيقة لم يكن سوى عامل يومي في المقهى. ولكن من ملك المقهى بعد حسن عجمي تزوج ابنته. فكانت لأبي داود هيمنة في المقهى، ولذلك كان يخشاه أغلب رواد المقهى.
ومن ضمن هؤلاء طليعة الشعراء الصعاليك، الذين ظهروا في الثمانينات من القرن العشرين كرد فعل على التغييرات الاجتماعية والاقتصادية في العراق، كجان دمو ونصيف الناصري وكزار حنتوش. وكانوا في موضع ريبة دائمة من قبل أبي داود، لأنَّهم في أغلب الأوقات لا يملكون ثمن ما يطلبونه من شاي. وكانوا بدورهم لا يخشون شيئاً في الدنيا غير نظرات أبي داود المتفرسة، التي تنفذ إلى أعماقهم.
مقهى حسن عجمي التراثي سينهار قريباً بلا أدنى شك، ومع انهياره الوشيك ستنسى حكايات وذكريات لأجيال من الأدباء العراقيين، مروا جميعاً إلى الشهرة، وتركوا ذكرياتهم فيه منذ مئة عام إلى يومنا الحالي.