فمن الفقير إلى ربه إلى كل شاب، إلى من ملّ السير في طريق الهلاك وطريق الغواية، إلى من يريد السعادة، إلى من يريد أن يتعرف على طريق الاستقامة، إلى من تدعوه نفسه المطمئنة إلى الطاعة وتزين له نفسه الأمارة بالسوء الذنوب والمعاصي، إلى من أسره الهوى، وتمكن من قياده الشيطان.
يا أخي الحبيب، كلمات صادقة، ودليل محبة، ولغة تواصل، وباقة ورد أنثرها بين يديك، راجياً من الله أن تمس حروفها شغاف قلبك، وأن تهز سطورها أركان فؤادك، فمنه - سبحانه - العون وعليه التكلان.
أخي العزيز: أشهد الله أنني أحبك في الله، ومصداقاً لذلك فهذه رسالة ابعثها إليك وأنا لك ناصح وعليك مشفق وحريص على سعادتك وهنائك في الدنيا والآخرة إن شاء الله.
أخي العزيز: قد سطرت إليك هذه الرسالة فأبى قلمي أن يكتبها إلا إذا عصرت على مداده لواعج الحسرات وسواكب العَبَرات، فأعطيته ذلك فها هو يكتب بليلاً، رقيقاً، ليهديك أخي هذه الكلمات.
أخي الحبيب: متّعني الله وإيّاك بالصحة وأسبغ علينا جلباب العافية، وأسدل علينا أستار طاعته ومحبته،..... أخي بعد ما لم نستطع أن نجلس سوياً نتجاذب أطراف الحديث ونشكي هموم بعضنا لبعض فإنني كتبت لك هذه الرسالة التي أملاها قلبي، وحملها إليك النصح والحرص على ما ينفعك، فأملي أخي فيك أن تفتح لها أبواب قلبك، وتضمّنها في سويدائه، فإن فعلت أخي فإنك أن شاء الله لن تعدم خيراً تجده فيها،
أخي الحبيب والله العظيم لو كنت أملك الهداية والسعادة لبذلتها لك من أول وهلة، لكي أخرجك مما أنت فيه من الهموم والأحزان، والتعب والنصب والأرق، ولكنني أستطيع كغيري بإذن الله فعل السبب من كلمة طيبة ونصح صادق وتوجيه وإرشاد فخذها من قلب محب، فهل قلب الحبيب يسمع؟!
أخي الحبيب: إنني أعرف فيك خيراً كثيراً، فاسمح لي أن آخذك بعيداً بمفردك عن طيش الشباب وشهوات النفس، بعيداً عن وسائل الفساد والضياع، بعيداً عن المعاصي والآثام، بعيداً عن المغنين والمغنيات، بعيداً عن التقليد الأعمى، بعيداً عن رفقاء السوء، بعيداً عن المظللين والمظلين والمخادعين، بعيداً عن كل المؤثرات والمنغصات.
أخي وصديقي وابني: أريدك أن ترجع معي إلى الوراء قليلاً، فأنت تريد أن تكون سعيداً، مسروراً، فرحاً، مازحاً، تبتسم للصغير والكبير، تُداعب هذا وتمزح مع ذاك، تود أن تكون سعيداً مرتاح النفس والضمير والقلب، لا همّ ولا غم ولا ضيق .
بعد ما عرفت وسمعت عنك كل هذا، أريد أن أخاطب قلبك الطيب، ونظراتك البريئة، وفطرت الخير فيك، نعم أريد أن أخاطب فيك الشاب البسيط الحيّ لألتقي معك لقاء لا يرتبط بالمادة، ولا بالمصلحة، ولا بالمجاملة، لقاء الأخ لأخيه الرحيم البار به، اسمعها مني كلمات وادعة، ومشاعر نابغة من القلب، فأرجو أن تكون هذه الرسالة لقاء القلب بالقلب، يعبر عنها اللسان ببيان رقيق جميل، وحس مرهف.
سؤال؟
أخي الحبيب: أريد أن أسألك سؤالاً وآمل أن تجيب عليه بكل صراحة بعد خشوع وتفكر وخضوع وهو: أين الآباء والأجداد.. ! وأين الكثيرين من الأهل والأحباب؟! بل كيف تُجيب ربك يوم تقف بين يديه حافي القدمين، عاري الجسد، شاخص البصر، بل كيف تُجيب الملكان عندما يُحثا عليك التراب، ويفارقك الأهل والأصحاب، عندما تكون في ضيق اللحود! ومراتع الدود!، فلا أم تؤانسك ولا صديق يخاطبك ويمازحك؟، ستجد الجواب مصحوباً بدموع الحزن... وأزيز القلوب على الفراق، هم تحت طيا الثرى والتراب؟!! نعم هذا هو المآل... وهذا هو المصير.؟
همسة:
أخي الحبيب: إذا كان الأمر كذلك:
فعلى صاحب البصر الناقد أن يتزود من نفسه لنفسه، ومن حياته لموته، ومن شبابه لهرمه، ومن صحته لمرضه. فما بعد الموت من عتاب، ولا بعد الدنيا سوى الجنة أو النار، فمن هنا فأنني أهمس في أذنك وأدعوك للانضمام لقوافل الخير التي تُضيء لك النور بإذن الله وتدلك على طريق الخير والفلاح والصلاح والنور، وتبعدك عن طريق الفساد، والشر، والضياع والظلام، والوحشة، والهم، والغم، إن شاء الله!
وقفة:
أخي الحبيب: إذاًً لا بد من وقفة صادقة مع النفس وقفة محاسبة ومساءلة، فوالله لتموتن كما تنام، ولتبعثن كما تستيقظ، ولتجزين بما تعمل، فجنة الخلد للمُطيعين، ونار جهنم للعاصين.
أخي الحبيب، من غفل عن نفسه تصرمت أوقاته، ثم اشتدت عليه حسراته، وأي حسرة على العبد أعظم من أن يكون عمره عليه حجة، وتقوده أيامه إلى المزيد من الردى والشقاوة، وأعلم إن الزمان وتقلباته أنصح المؤدبين، وإن الدهر بقوارعه أفصح المتكلمين، فأنتبه بإيقاظه، وأعتبر بألفاظه
من غرّه شبابه فنسي فقدان الأقران، وغفل عن سرعة المفاجآت، وتعلق بالآمال والأماني فما هي والله إلا أوهام الكسالى، وأفكار اللاهين وما الاعتماد عليها إلا بضائع المغبونين، ورؤوس أموال المفاليس، والتمني والتسويف إضاعة للحاضر والمستقبل.
إيّاك والتسويف:
إنك الآن في مقتبل عمرك وفي سن الشباب والقوة والفراغ، وقد اغتر كثيرٌ من الشباب بهذا السن فقالوا: دعونا نمتع أنفسنا في شبابنا، وسوف نتدارك ذلك إذا تقدمت بنا السن ونسوا أن الموت يأتي في أي لحظة.
هل أكثر الشباب سعداء؟
هل أكثر شبابنا اليوم سعداء؟ الجواب لا! ولو تأملت في أحوال الكثير منهم لوجدتهم على حال سيئة، وإن رأيت منهم الابتسامة والضحكة؟! ولو سألت أحدهم: هل أنت سعيد في حياتك؟ وهل ضحكك ومزاحك مع الآخرين نابع من سعادة حقيقية؟!،
لرد عليك بقوله: والله لولا ما أتناسى ما أنا فيه لرأيتني مرمياً على الأرض لا أستطيع الوقوف من ثقل ما أحمل من هموم الدنيا، نعم هذه الحقيقة وأي هموم يحملونها؟! هموم ماذا التي أثقلت عليه! هموم هذا الدين والدعوة إليه؟ أم هموم القدس وتدنيس اليهود لها؟! أم هموم الأمة الإسلامية وتكالب الأعداء عليها؟! ولو سألته أين توجد السعادة؟ وهل بحثت عنها؟ لقال لك: لا سعادة في هذه الدنيا أبداً، ولقد بحثت عن السعادة في كل مكان ولم أجدها!
ولو سألته عن حاله وحال رفقائه الشباب لقال: صدور ضيقة، وأموال ضائعة، وتصرفات طائشة، وسهرات دائمة، وجلسات فارغة، ولا نعرف لنا قيمة ولا لحياتنا معنى ولا يقدرنا أحد، ونكره أنفسنا دائماً ونتمنى الموت من ضيق ما نحن فيه! لماذا هذا كله؟!
لماذا شبابنا لم يجدوا السعادة؟
أخي الحبيب: أتعلم لماذا شبابنا لم يجدوا السعادة؟
لأنهم بحثوا عن السعادة في اللهو والطرب والسهر والدخان والمخدرات والمسلسلات وصفحات الإنترنت المشبوهة والمجلات الخليعة الماجنة و... ؟ فلم يجدوها! بحثوا عن السعادة في غير محلها، بحثوا عنها في المحرمات بشتى أنواعها فلم يجدوها ولن يجدوها! ! لأن الله يقول - عز وجل - ]ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا]، فهم بعيدين عن الله ويبحثون عن السعادة؟؟ فكيف يجدونها وقد هجروا كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- أرجو الله أن لا نكون ممن ضيّع دربه وتاه في طريقه، ويا سبحان الله العظيم ما أبين الطريق، وما أوضح الدرب، وما أسعد الركب على سير الصحابة والسلف رضوان الله عنهم أجمعين.
أين توجد السعادة؟
أخي الحبيب: إذاً أين توجد السعادة؟ لكي نجيب على هذا السؤال أقرأ قوله - سبحانه وتعالى -: (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة) فاعلم رحمك الله أن السعادة الحقيقية هي السعادة الداخلية سعادة القلب وبهجته، وانشراح الصدر وسعته، ولن يكون هذا أبداً إلا في التقرب إلى الله والالتزام بتعاليم دينه... ذلك الدين الذي تخلى عن صدق تطبيقه كثير من الشباب،.. وأملنا أن يعودوا لرحابه، ففيه كل الطمأنينة والفرح والسرور، قال - تعالى -: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
أخي الحبيب: إذا أردت السعادة في الدنيا والآخرة فسوف تجدها بشرط أن تتبع أوامر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وطاعتهما بدون اعتراض أو تردد، وإيّاك ومَنْ يصور لك هذا الدين بأوامره وتكاليفه أنها نوع من تقييد الحرية وحرمان من المتع الدنيوية، فهؤلاء لا يريدون لك إلاّ السعادة المزيفة والمتعة المؤقتة ثم تكون الحسرة في الدنيا والعذاب في الآخرة، نسأل الله العافية.
أخي الحبيب: أنني أدعوك مرة ثانية أن تسلك طريق الاستقامة والصلاح ففيها السعادة والفلاح، والحذر كل الحذر من رفقاء السوء، فلا تنغر بهم وتنحرف معهم، وعليك بالبحث عن الرفيق الصالح الذي يعينك على الاستقامة والسعادة والخير إن شاء الله، وأعلم أن صلاحك في تقواك، وفوزك في خوفك من الله - تعالى -فاستعصم أخي بتقوى الله فهي خير حصن تحصنت به،
أخي: أوَمَا تحب أن تكون في الدنيا من الهانئين السعداء، ويوم القيامة من الناجين الفرحين إن شاء الله!!. فإن أردت أخي ذلك فلتتق مولاك - تعالى -في كل صغيرة وكبيرة، وسوف تجد عاقبة ذلك برداً وسلاماً.
فكن يا أخي الحبيب من هؤلاء الشباب حتى تكون من السعداء:
شباب مؤمن بالله يمضي ----- وللإسلام يندفع اندفاعا
ويعلنُها بعزمٍ إن دَربي ----- إلى الجنَّات يا خُذُني سِراعاً
شبابٌ لم تُدنَّسه المعاصي ---- ولم تتركهُ في الدنّيا ضَياعا
أولئكَ هُم شبابٌ للمعالي ------ لقد بُعثوا لدُنيانا شعاعا
أخي على درب الخير: إليك أهدي هذه الصفحات المتواضعة، راجياً من الله أن ينفع بها، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، فقد حاولت أن أكتب لك ولو الشيء اليسير الذي يعبر لك عن علو مكانتك وقدرك في نفسي، فإنه يأنسني ويثلج صدري بهجةً وسروراً أن أرى لك موقفاً إيمانياً في يوم من الأيام مع إخوانك الشباب الذين سبقوك بالهداية ولزموا الطريق الصحيح ووجدوا السعادة الحقيقية.
متى تتحدى الصعاب وتعلنها رجعة إلى الله؟! وتنقذ نفسك وشبابك وتخدم دينك الذي سوف تسأل عنه في قبرك، فأنت بالدين شيء وبدون الدين لا شيء،....... وفي أثناء قراءتك لهذه الرسالة أرجو أن لا تحمل عليّ إن كنت قاسياً معك في بعض الأحيان، ولكن صدقني إنها هيجان المشاعر حين تلتقي بمن تهواه وتحبه،
مناي من الدنيا علوم أبثها ---- وأنشرها في كل بادٍ وحاضر
دعاءٌ إلى القرآن والسنن التي -- تناسى رجال ذكرها في المحاضري
أخي الحبيب: إنني سطرت إليك هذه الكلمات، لتكون دليل محبة، ولغة تواصل، وباقة ورد انثرها بين يديك استخرجتها لك من مكامن جوانحي وخلطتها لك بصدق النصيحة، وقدمتها إليك في قوالب الأخوة في الله، وكم أنا سعيد إن أنت قبلتها، وبقي أخي أني حاولت جهدي، وما عليّ إلا البلاغ، فإن أنت عملت بذلك فلن تكون بسيئ المكانة، فليس عيباً أخي أن تفتح صفحة جديدة في حياتك لتدون عليها أعمالاً صالحة تكون ضياء ونوراً لك في دنياك، ويوم لقائك لربك، وأنت يومها السعيد، الفائز، المفلح،
والله يرعاني ويرعاك، ويحفظني ويحفظك، واستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه.