أَثنَاء اِنْتظاري غَلَيان مَشرُوبي الصَّباحيِّ وَفِي حِين أنَا أُشَاهِد إِلى حَيْث اِسْتطَاع بَصرِي أن يَصِل ، وأصابعي أن تُنقِّب ، أَثنَاء اِنتِظار آخر ، تِسْع ضاويَات بَيْن لُجَّة قَاتِمة ، أَجزِم أنَّ هُنَاك اَلمزِيد اَلذِي أُحبُّه ، لَكِنهَا وَقفَة أَحكِي بِهَا كُلُّ اَلذِي راودَني أَمَام المرْآة ، تجْعيدة اَلجبِين اَلتِي لَم أر فِي وَجهِي سوَّاهَا ، ثُمَّ اِبْتسامة وعيْتُ بِهَا مَا خَفِي مِن جَمَال .
أحبَّهَا اليوْم ، وأعْلم أَننِي قد أبْغضَهَا حِينًا مَا ، وَلِي فِي ذَلِك الحين أَقُول :
إِنَّ اَلعُمر اَلذِي يَمضِي إِلى اَللَّا شَيْء لَم يُوجَد بُعْد ، وَإِن لِكلّ بَيَاض قِصَّة ، وَلكُل تجْعيدة ثمن ، ثُمَّ إِنَّ النَّضارة والْحيويَّة لََا نِهائِيَّة فِي هذَا الكوْن ، ونحْن حِينمَا اِطْمأْننَّا ، لَم يَكُن شَيْء مِن الظَّاهر يدْفعنَا لِذَلك ، بل إِنَّ تِلْك الرُّوح اَلتِي مَا إِن شعرْنَا بِالْخِفَّة مِن تكْشفنَا لَهَا حَتَّى خجلنَا مِن كَثرَة مَا بُحنَا لَهَا مِن حديث فرحنَا نَبُوح عَنهَا لِلسَّريِّ مِن المذكِّرات ، وَهذِه لَفتَة أُفْضِي بِهَا عن غَلبَة اَلْجَوهر على كُلِّ مَظهَر .
ثُمَّ ، مَاذَا يَعنِي أن نَكبُر ؟ لَرُبمَا أَرقتْنِي شيْئًا مَا ، كَيْف ذَا وَأنَا بَعْد لَم أَخُط فِي الثلاثين إِلَّا ثلث خُطوَة ؟ ويبْقى السُّؤَال ، مَاذَا يَعنِي أن نَكبُر ؟ أن تَكسُو ملامحنَا التَّجاعيد ، أن تُضيء خُصلات ، أن يَتَحسَّر الرَّائي مُتألِّمًا أنَّ " لََا زِلْتُ فِي ربيع اَلعُمر ! " . إِذَا ، منَّ يَحكِي لِي أَنَّه " بِكير عليْك الختيْره ؟ "
هُو شَيْء لَيْس فِي يَدِي ، لِماذَا يُزْعجني شَيْء لَم أُقَدره لِنفْسي ؟ يُزْعجني شَيْء أحْببْته فقط لِأَنه غَيَّر شيْئًا مِن مَظهَرِي مِمَّا جعل اَلحدِيث فِيه يَكثُر ؟ أن نَكبُر مَعْنَاه أن نَحمِل فِي دواخلنَا كُلَّ مَا ثِقْل حَملِه ، ثُمَّ لََا نَجِد بدَا مِن اَلمضِي ، أن نَكبُر مَعْنَاه أن نُودِّع مَا عزَّ ونسْتقْبل مَا نُسلِّم لِلَّه فِيه الخيِّرة ، أن نَتَجاهَل عن عَمْد ، ونتغافل عن حِكْمَة ، إِلَّا يسوءنَا مَا تَعثُر مِن أُمورِنَا ، أَلَّا نَصْر على المسْتحيل مِن اَلأُمور ، إِلَّا نَفتَرِش رِوَاق بابٍ نَعتَقِد أنَّ السَّعادة تَكمُن خَلفَه ، أن نُهذِّب أرْواحنَا ولَا نَجُرهَا إِلى اَلردِيء مِن اَلأُمور ، أن نَمضِي ولَا نرى فَورَة القلْب وَميلِه إِلَّا كمَا نرى اِنجِراف طِفْل إِلى مَا يسوءه فِنْسايسه ونسايره ونعْي جَهلِه وَبَراءَة إِصْراره ، أَلَّا نَلبَس أَيَّة غَايَة رِدَاء الجدِّيَّة والْأهمِّيَّة اَلتِي لََا حَيَاة بُعْدِها إِلَّا الغاية اَلكُبرى اَلتِي لِأجْلِهَا أوْجدَنَا اَللَّه ، أن نَكبُر مَعْنَاه أن نَخْتار معاركنَا ، أَلَّا نُهْدِر اَلعُمر فِي المعارك العقيمة ، أَلَّا نَهْب مالا يُثْمِر أيَّ لَحظَة مِن أعْمارنَا ، أن نُدْرِك رَغْم الرَّغْبة أنَّ هُنَالِك عوض كبير وَحَياة أُخرَى تَستَحِق الكفَاح ، أن نَكبُر مَعْنَاه أن نَفقِد الأمل فِي مَا يُعْطينَا أملا مُؤَقتا ، أن نُرَاهِن على الدَّائم ، أن نَترُك اَللحْظِي لَمِن قَرَّر الخسْران بُوهْبَه حياته لِمَا وَقْت لِأَمد قصير ، أن نَكبُر مَعْنَاه أَلَّا نَحتَكِم إِلى ظَواهِر اَلأُمور بِاعْتبارهَا الحقيقة المطْلقة ، أن نَكبُر مَعْنَاه أن نَأسِر لِجوْهر ولَا يعْنينَا مِن الأمْر أَيَّة مَظهَر ، أن نَكبُر مَعْنَاه أن نُحِب أَنفُسنا لِدرجة نعْليْهَا فِيهَا عَمَّا تُسْخِف مِن أُمُور ، أن نَكبُر مَعْنَاه أن نَتَقبَّل كُلُّ شَيْء كمَا هُو ، أَلَّا نَسعَى لِبهْرَجة الحقيقة لِتبْدو وَاقعِية وَقابِلة لِلاسْتيعاب .
وأعْلم أَننِي اليوْم رَاضِية كُلَّ الرِّضَا عن كُلِّ مَا آلتْ إِلَيه اَلأُمور ، وَسأَجِد دوْمًا سببًا يَستَحِق أن أحبَّ على إِثْرِه ذَاتِي وَألَّا أَبخَس حَقهَا مِن الرَّوْعة . عن النِّسْيان ، عن النِّسْيان يَا أَجفَان ، من يَستطِيع أن يَنسَى ؟ لََا شَيْء يَنسَى كُلنَا كبَّرْنَا ، وَكُلنَا نَسِينَا أن نَنسَى ، فمن يَستطِيع بَعْد الكبر أن يَنسَى ؟ ؟ . .