إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحْبه، ومَن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أمَّا بعدُ:فإنَّ من أفضل ما يتخلَّق به الإنسان، وينطق به اللسان - الإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى، وتسبيحه وتحميده، وتلاوة كتابه العظيم، والصلاة والسلام على رسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه، مع الإكثار من دعاء الله سبحانه، وسؤاله جميعَ الحاجات الدينية والدنيوية، والاستعانة به، والالتجاء إليه بإيمان صادق، وإخلاص وخضوعٍ، وحضور قلبٍ، يَستحضر به الذاكر والداعي عظمة الله وقدرته على كل شيءٍ، وعِلمه بكل شيء، واستحقاقه للعبادة وحْده لا شريكَ له.
أيها الكرام:
إن ما يَفتحه الله جل وعلا على عبده من مُلازمة ذكره، ومداومة دعائه - فتحٌ عظيم، ونعمة عظمى، ومنحة كبرى، ومنة جُلَّى، لا يوفَّق إليها إلا مَن أحبَّه الله، وأراد هداه، فإن عبادة الذكر والدعاء من أسهل العبادات وأيسرها، والأجر فيها عظيم، والثواب فيها جزيل، والبركات فيها متوالية، لكن قليل مَن يوفَّق إلى ذلك، فإذا شاهدت عبدًا ملازِمًا لذكر الله، فاعلم أنَّ الله أحبَّه وأراد هداه، وإذا لَمَست من نفسك محافظةً على الأذكار، وملازمة للدعوات - فهذا فتح من الله عليك، حافِظ عليه والْزَمْه، وتتابَعْ في ولوج هذا الباب العظيم.
وإن آنَست من نفسك بُعْدًا عن الذكر، فاعلم أن ذلك نوع من الحرمان، ينبغي أن تراجع فيه نفسك، وأن تتلمس الأسباب التي أدَّت بك إلى ذلك، فإن المتأمل في فضائل الذكر والدعاء، يجد أن نصوص الكتاب والسنة قد رغَّبت فيها ترغيبًا عظيمًا؛ يقول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا . وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا . هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [االأحزاب: 41 - 43]، ويقول الله جل وعلا:
{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152]، وقال سبحانه: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ} [الأحزاب: 35]، إلى أن قال سبحانه: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35].
والإكثار من ذكر الله جل وعلا ودعائه، مُستحب في جميع الأوقات والمناسبات، في الصباح والمساء، عند النوم واليقظة، عند دخول المنزل والخروج منه، عند دخول المسجد والخروج منه، إلى غير ذلك من المناسبات، فقلَّ بل لا تكاد تجد حالاً من أحوال الإنسان إلا وله ذكرٌ موظَّف به، ودعاء مصاحبٌ له، يقول الله جل وعلا - في شأن ذِكره وتسبيحه وتحميده في أوقات الصباح والمساء -: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [غافر: 55]، ويقول جل وعلا: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39]، ويقول جل وعلا: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ . وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} [الطور: 48، 49]، ويقول جل وعلا: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ . وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 17، 18].
وثبَتت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحاديثُ كثيرة تدل على فضل الذكر والتحميد، والتهليل والتسبيح، والدعاء والاستغفار في كل وقت، وفي طرَفَي الليل والنهار، وفي أدبار الصلوات الخمس بعد السلام، وفي غير ذلك من الأوقات؛ يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم مُبينًا الفضل العظيم الذي يُحرزه الذاكرون لله والذاكرات، قال: "سبَق المُفرِّدون" ، قالوا: يا رسول الله، وما المفردون؟ قال: "الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات"
وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "أحب الكلام إلى الله أربع، لا يضرُّك بأيِّهنَّ بدأتَ" ، تأمَّل يا عبد الله: (أحب الكلام إلى الله)، هذا يُحفزك على أن تحافظ عليه، وأن تَلهج به في كل وقتٍ وحين. "أحب الكلام إلى الله أربع لا يضرُّك بأيِّهنَّ بدأتَ: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر" [صحيح مسلم: 2137]
هذا أحبُّ الكلام إلى الله، تتقرب به إلى مولاك، فإذا مجرد علمك أنه محبوب عند الله، يُحفِّزك على ملازمته، فكيف وفي غضون هذه الكلمات من البركات ما لا تُدركه العقول ولا الأُمنيات؟! بكل كلمة يُغرس لك شجرة في الجنة، إنها غراس الجنة، وعلى قدر محافظتك على هذه الكلمات المحبوبات عند ربِّ البريات، يكون لك من المُلك، ويكون لك من الغرس في جنة عرضها السموات والأرض.
وثبت في صحيح مسلم عند سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه "أن أعرابيًّا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: علِّمني كلامًا أقوله، قال: "قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله رب العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم"، فقال: يا رسول الله، إن هؤلاء لربي، فما لي؟ يقول الأعرابي: هذه الكلمات تعظيم لله جل وعلا، فماذا يكون لي؟! وماذا أقول لأُحصِّل منفعة في الدنيا؟ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "قل: اللهم اغفر لي وارحمني، واهدني وارزقني"، ويقول عليه الصلاة والسلام: "الباقيات الصالحات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله" [صحيح ابن حبان: 947].
ويقول عليه الصلاة والسلام: "ما عمِل ابن آدم عملًا أنجى له من عذاب الله - من ذكر الله"
نعم ، إن الملازم للذكر مُتباعد عن الإثم والخطيئة، هل رأيتم على سبيل المثال إنسانًا يُعاقر الخمر وهو يُسبِّح ويَحمد ويَذكُر؟! هل شاهدتم إنسانًا يُدخِّن حال تدخينه، ثم يعقد بأنامله الذكر لله جل وعلا؟!
إن الذكر لله يَحمِل المؤمن على الاستحياء من الله؛ ولذلك إذا ضعُف ميزان الذكر عند العبد، كان توجُّهه نحو الخطايا كبيرًا، وكان دافعه نحو الآثام مضطردًا!
ويقول معاذ بن جبل رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " ألا أُخبركم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مَليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير لكم من أن تَلقوا عدوَّكم، فتَضرِبوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟" [الفتح الرباني: 2/5926]، إنه عرض عظيم، إنه عرض مُحفِّز.
ثم أيها الأخوة، إن هذه الأذكار والدعوات مُثقلة للموازين ولا شكَّ، بخبر ربِّنا وخبر رسولنا عليه الصلاة والسلام، ثم إنها حافِظة للإنسان في أمور دنياه، وقلَّ أن تَجِدَ أحدًا عنده خللٌ في أمور دنياه؛ في صحته وماله، في بدنه وأهل بيته، وفي غير ذلك من شؤونه، فتِّش ستجد أنه مُجافٍ لذكر الله جل وعلا.
فالذكر حصانة للإنسان، وحِفظ له من الشيطان، ومن العوادي، وممن يعتدي عليه من بني الإنسان.
تأمَّلوا أيها الأخوة أن في كثير من الأذكار والدعوات الموظفة بالليل والنهار - النصَّ على أنه يُحفَظ، حُفِظ يومه ذلك كله، أو لم يضرَّه شيءٌ؛ كما جاء في حديث عبدالله بن حبيب رضي الله عنه قال: خرجنا في ليلة مطر وظلمة شديدة، نطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليُصلي لنا، فأدرَكناه، فقال: "قل"، فلم أقل شيئًا، ثم قال: "قل"، فلم أقل شيئًا، ثم قال: قل، فلم أقل شيئًا، وهذا نوع من التحفيز وحُسن التعليم، وعرْض الأمر العظيم، يقول له: قل، فلما ردَّ: لم أقل شيئًا، لا يدري ما المطلوب منه، قال للنبي صلى الله عليه وسلم: قلت: يا رسول الله، ما أقول؟ قال: "قل: هو الله أحد والمعوذتين حين تُمسي وحين تُصبح ثلاث مرات، تَكفيك من كل شيء" [رواه الإمام أبو داود والترمذي والنسائي بإسناد حسن].
تأمَّل: تكفيك من كل شيء، وهذا اللفظ عام، تكفيك من كل شيء يَخطر على بالك من هموم نفسية، أو أخطار بدنية، أو حوادث كونية، أو غير ذلك مما يهتمُّ له الإنسان، ويَخشاه ويَخافه.
وجاء أيضًا في هذا الباب ما رواه أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من عبدٍ يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضرُّ مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات، فيَضُرَّه شيءٌ".
تأمَّل أن هذه الأذكار فيها الوعد ((لم يَضُرَّه شيءٌ))، وعدٌ من الله بلَّغه أصدقُ الخلق محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وأيضًا جاء عن الصحابي الجليل عبدالله بن غنَّام البياضي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من قال حين يُصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمة، أو بأحدٍ من خلقك - فمنك وحْدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر، فقد أدَّى شُكر يومه، ومَن قال ذلك حين يُمسي، فقد أدَّى شُكر ليلته"
تأمَّل هذا التوحيد وهذا التعظيم لله ربِّ العبيد، وهذا هو السر الذي يجعل هذه الأذكار لها هذه الآثار التي تَستغرق أحوال الإنسان في الليل والنهار، إنها استكانة لله، وتعظيم له، واستعانة به، تأمَّل:"ما أصبَح بي من نعمة أو بأحدٍ من خلقك، فمنك وحْدك لا شريكَ لك".
إنه التوحيد الذي ينال به الإنسان أعظمَ الثواب وأرفعَه.
وفي هذا الباب أيضًا ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "مَن قال إذا أمسى ثلاث مرات: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلَق، لم تضرَّه حُمَةٌ تلك الليلة" [مسند أحمد: 15/15].
لم يضرَّه شيءٌ من ذوات السموم، ولا غير ذلك من المضارِّ التي تلحقه.
وأيضًا ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "مَن نزَل منزلًا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضرَّه شيء حتى يَرتحل من منزله ذلك" [صحيح مسلم: 2708].
وأيضًا ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "مَن قرَأ بالآيتين الأخيرتين من سورة البقرة في ليلة، كفَتاه"، وهما قوله تعالى: ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ ) [البقرة: 285]، والتي بعدها: ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ) [البقرة: 286].
(مَن قرأها في ليلة كفتاه)؛ يقول الإمام النووي رحمه الله: "معنى كفتاه، يعني: قيام الليل، كأنما قام تلك الليلة، وحصَّل أجرها، وقيل: كفتاه من الشيطان، فلا يتسلَّط عليه، وقيل: كفتاه من الآفات، قال النووي: ويَحتمل الجميع، وهذا هو الصحيح. إنها تنفعه في ذلك من جهة حصول الأجور العظيمة، ودفْع المضارِّ الكبيرة.
أيها الأخوة الكرام، إن هذه الأذكار والدعوات الموظفة بالليل والنهار وفي عموم المناسبات، مما ينبغي على المسلم أن يحافظ عليها أشد المحافظة، ولا يُفرط فيها؛ لأنه إن فرَّط، فهو مغبون غبْنًا عظيمًا؛ عياذًا بالله من ذلك.
أيها الأخوة، تقدَّم أن هذه الأذكار وهذه الدعوات، والتسبيح والتحميد لله رب العالمين - نافعةٌ للإنسان، مُثقلة لموازينه، ونافعة له أيضًا بدفع الآفات والمضار عنه، وموظَّفة في كثيرٍ من الأحوال التي يتقلب فيها الإنسان في أمور هذه الحياة.
وتأملوا أيها الأخوة هذا النص النبوي العظيم الذي فيه أن تفريط كثيرٍ من الناس سببٌ لقلة البركات في بيوتهم، وسبب ما يوجد من أنواع المشكلات والمعاطِب والمخاوف، والحوادث التي تتكرر على الإنسان، ومن ذلك ما جاء في صحيح مسلم عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "إذا دخل الرجل بيته، فذكر الله عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان: لا مَبيت لكم ولا عُشاء، فقد رُدُّوا وصُدُّوا ببسم الله، وقال: وإذا دخل فلم يذكر الله تعالى عند دخوله، قال الشيطان: أدركتُم المبيت، وإذا لم يذكر الله عند طعامه، قال: أدركتُم المبيت والعَشاء" [صحيح مسلم: 2018].
فتأمَّلوا أيها الأخوة كم من بيوت الناس اليوم مَن يُدرِك فيها شياطينُ الجن أنواعًا من المبيت وأنواعًا من الطعام؛ كل ذلك لأنهم فرَّطوا في اللُّجأ إلى الله والاستعانة به!.
بسم الله أستعين، عليه أتوكَّل، وبه أدفع عدوِّي، لكن إذا فرَّط المؤمن في ذلك، فإنه يناله هذا الضرُّ العظيم، فما ظنُّكم ببيتٍ المشارك في الطعام فيه شيطان؟! وما ظنكم ببيتٍ يكون المبيت فيه مع الشيطان؟
إنه الوحشة، إنه الضرر، إنه قلة البركة، إنه ضِيق الصدر، إنه المشكلات المتوالية؛ لأن الذكر فُسحة ونور، والاستعانة بالله دفعٌ للشرور، وهذا يُبيِّن سبب كثير من المشكلات النفسية والحسية، التي يَجِدها عدد من الناس، وتأمَّلوا أيضًا أثَرَ الاستعانة والتوكل على الله وذكره في حال بدء الإنسان يومَه عند خروجه من بيته، أو في أي لحظة من لحظات خروجه؛ يقول أنس رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:"مَن قال إذا خرج من بيته: بسم الله، توكَّلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له حينئذ : كُفيت ووُقِيت وهُدِيت" [صحيح ابن حبان: 822]، وأمر آخر: (وتنحَّى عنه الشيطان)، فيقول لشيطان آخر: "كيف لك برجل قد هُدِي وكُفِي ووُقِي" قال العلماء: قوله: (هُدِيت إلى الحق): تيسُّر أموره في ذَهابه وإيابه، وفي قضاء حاجاته،ويُبعَدعن الضلال والانحراف. ووُقِيت؛ يعني: من الوقاية، وهي الحفظ مما قد يَعرِض له مما يَعرِض للآخرين.
ومما يُبين أثرَ الحفظ في البدن للإنسان وفي ماله وأحواله - في محافظته على هذه الأذكار - أن أبانَ بن أمير المؤمنين سيدنا عثمان لَما روى الحديث المتقدم، وهو: (مَن قال: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات، لم تُصبه فجأةُ بلاءٍ حتى يصبح، وكذلك إذا قاله حين يمسي)، فأبان رحمه الله أصابه في بقية حياته الفالج، وهو نوع من الشلل، فأحد مَن سمِعه يحدِّث بهذا الحديث صار يتأمل فيه، أنت تروي هذا الحديث وأنت تعمل به، فكيف أصابك ما أصابك؟ فقال له أبان رحمه الله: (ما لك تنظر إليَّ، فوالله ما كذَبت على عثمان، ولا كذب عثمان على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن اليوم الذي أصابني فيه ما أصابني، غضِبت فنسيتُ أن أقولها)؛ رواه أبو داود.
يقول القرطبي رحمه الله: "هذا الحديث خبر صحيح، وقول صادق علِمناه عن النبي صلى الله عليه وسلم دليلاً وتجرِبةً؛ فإني منذ سمِعته عمِلتُ به، فلم يَضُرَّني شيءٌ إلى أن تركتُه، فلدَغتْني عقرب بالمدينة ليلاً، فتفكَّرتُ، فإذا أنا قد نسيتُ أن أتعوَّذ بهذه الكلمات".
ويُبين هذا أيضًا ما جاء في الموطأ عن كعب رضي الله عنه - كعب الأحبار الذي كان يهوديًّا فأسلم، فأبغضه اليهود لأجل ذلك - يقول: لولا كلمات أقولهنَّ، لجعَلتني يهودُ حمارًا، فقيل له: وما هن؟ فقال: (أعوذ بوجه الله العظيم الذي ليس شيءٌ أعظمَ منه، وبكلمات الله التامات التي لا يُجاوزهنَّ بَرٌّ ولا فاجرٌ، وبأسماء الله الحسنى كلها؛ ما علِمت منها، وما لم أعلم من شرِّ ما خلق وبرَأ وذرَأ).
قال العلماء: إن قوله: "لولا هذه الكلمات لجعلتني يهود حمارًا"؛ يعني: بسحرهم، فقد أغضبهم إسلامي، فلولا استعاذتي بهذه الكلمات لتمكَّنوا مني، وغلبوا عليّ، وجعلوني بليدًا، وأذلُّوني كالحمار - مثله في الذِّلة - وذلك بسِحرهم. فعُلِم بهذا أن هذه الأذكار حماية وحصانة أيضًا حتى من كيد السَّحرة الفُجَّار.
وتأمَّلوا رحمكم الله أثَرَ هذه الأذكار في تيسُّر الأمور لَمَّا جاءت هذه السيدة الكريمة سيدة نساء العالمين فاطمة رضي الله عنها لَما خدَمت في بيت زوجها سيدنا علي رضي الله عنه، كانت تَكنُس وتعمل بالرحى، حتى أثَّر ذلك في يدها، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم تطلب منه أن يُعينها بخادمٍ، قال: "ألا أدلُّك على ما هو خير لك من خادمٍ؟"، قالت: بلى يا رسول الله - قال ذلك لها ولعلي لَما زارهما ليلًا - قال:"إذا أخذتما مضاجعكما، فكبِّرا أربعًا وثلاثين، واحمدا ثلاثًا وثلاثين، وسبِّحا ثلاثًا وثلاثين؛ فذلك خيرٌ لكما من خادم" [صحيح البخاري: 6318].
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "مَن حافظ على هذه الكلمات، لم يأخذه إعياءٌ فيما يُعانيه من شُغلٍ وغيره، وقد وجَدنا بالتجربة أن هذه الأذكار من الليل مُيسِّرة لأعمال الإنسان في النهار".
والمقصود أيها الأخوة الكرام أن المؤمن ينبغي أن يكون ملازمًا لهذه الأذكار والدعوات، وقد نصَّ العلماء على أن أفضل الأوقات لقول ذكر الليل والنهار وأذكارهما من بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، وهذا وقت أذكار الصباح، ومن بعد العصر إلى غروب الشمس، وهذا وقت أذكار المساء؛ لأنَّ الله جل وعلا حثَّ على ذكره بُكرة وأصيلًا، ولو قدِّر أن فات الإنسان هذا الوقت - لنوم أو نسيان - فإنه يذكره ولو بعد طلوع الشمس إلى الظهر وهذا لأذكار الصباح، ومن بعد المغرب إلى الفجر وهذا لأذكار المساء، فكل ذلك يُجزئه إذا فاته وقضاه بأمر الله الواحد القهَّار.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.