الذنوب التي تقطع الرجاء
إن في دعاء كميل هنالك استغفاراً من آثار الذنوب، يقول الإمام (ع): (اَللّهُمَّ!.. اغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تَهْتِكُ الْعِصَمَ.. اَللّهُمَّ!.. اغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تُنْزِلُ النِّقَمَ.. اَللّهُمَّ!.. اغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تُغَيِّرُ النِّعَمَ.. اَللّهُمَّ!.. اغْفِرْ لي الذُّنُوبَ الَّتي تَحْبِسُ الدُّعاءَ.. اَللّهُمَّ!.. اغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تُنْزِلُ الْبَلاءَ).. أمير المؤمنين (ع) لم يُفصّل، لأن المقام مقام دعاء، ولكن حفيده زين العابدين (ع) يُفصّل الذنوب وآثارها.
لقد ورد عن الإمام زين العابدين (ع) في تفسير بعض الذنوب، وبيان عللها وأسبابها، أنه قال: (... والذنوب التي تقطع الرجاء: اليأس من روح الله، والقنوط من رحمة الله، والثقة بغير الله، والتكذيب بوعد الله.. والذنوب التي تظلم الهواء: السحر، والكهانة، والإيمان بالنجوم، والتكذيب بالقدر، وعقوق الوالدين.. والذنوب التي تكشف الغطاء: الاستدانة بغير نية الأداء، والإسراف في النفقة، والبخل عن الأهل والأولاد وذوي الأرحام، وسوء الخلق، وقلة الصبر، واستعمال الضجر والكسل، والاستهانة بأهل الدين).
(الذنوب التي تقطع الرجاء): تقطع الرجاء؛ أي كأن هذا آخر حدٍّ بين العبد وبين ربه.. فالإنسان يرجو رحمة الله عز وجل، فإذا قطع الرجاء، كأنه قطع الأمل في النظرة الإلهية للعبد.. ومن الذنوب التي تقطع الرجاء:
- اليأس من روح الله.. البعض إذا أراد أن يبالغ في الخوف من الله -عز وجل- يقول: أنا يائس من رحمة الله -عز وجل- وكأنه بهذا الكلام يريد أن يمدح نفسه.. يقول: أنا إنسان سيء، إلى درجة أني أخاف من الله عز وجل؛ فجعلني آيس من رحمته.. هو في مقام بيان خوفه من الله عز وجل، ولكن هذا البيان عكس المطلوب.. فالإنسان يبقى عنده أمل برحمة الله عز وجل، يقول تعالى في كتابه الكريم: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}.. {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}!.. {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}.. فالرحمة الإلهية يوم القيامة تغمر الخلائق، بما لا يخطر ببال أحد، إلى درجة يمتد لها عنق إبليس، الذي هو مظهر الشر في الوجود؛ ما هذه الرحمة الغامرة؟.. الإنسان الذي بين يدي هكذا رب، وييأس من رحمة الله -عز وجل-؛ فهذه من الذنوب التي تقطع الرجاء.
(الذنوب التي تظلم الهواء): هناك ذنوب تظلم الهواء، فالفضاء يتغير، أينما تذهب هذه الأيام، ولو عند الكعبة الفضاء مليء بالأمواج المحرمة، وهذه كارثة!.. ما بقي على وجه الأرض مساحة سالمة من الفساد، يقول تعالى في كتابه الكريم: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}، ولو أن العرب تعرف عالم الفضاء، لربما قال: وفي الفضاء أيضاً.. ومن الذنوب التي تظلم الهواء:
1- السحر.. الإنسان لا ينكر السحر، فالقرآن الكريم يذكر السحر.. ولكن ليس معنى ذلك، أن يعيش الإنسان الهاجس، فينسب كل شيء في حياته إلى السحر؛ فهذا يفتح باب التهمة في حياة الإنسان.. المؤمن إنسان موضوعي، لا يتبع غير الظن، يقول تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}.. بين الحق والباطل أربعة أصابع، كما قال علي (ع): (أما إنّه ليس بين الحقّ والباطل، إلاّ أربع أصابع)، فسئل عن معنى قوله هذا؟.. فجمع أصابعه، ووضعها بين أذنه وعينه، ثم قال: (الباطل أن تقول: سمعت، والحقّ أن تقول: رأيت)؛ أي مادمت لم تر شيئاً، لا ينبغي أن تجزم به.
2- الكهانة.. إن الذين يقومون بهذا العمل، يملؤون الفضائيات والصحف {قُل لّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ}.. البعض يشكك في علم النبي (ص) بالمستقبل، بينما يصدّق من يتحدث ويتكهن بقضايا المستقبل، وهو غير مسلم، أو مسلم فاسق؛ هل هذا الإنسان يعطى من الغيب شيئاً، وهو لا يعرف أوليات الدين؟..
3- الإيمان بالنجوم.. ومن المصاديق أيضاً الإيمان بالفنجان، والأبراج، وغيرها.. هذه أمور لا يصدقها المؤمن؛ لأن المؤمن أجلّ من أن يعتقد بهذه الأباطيل الإعلامية، التي لا قيمة لها.
(الذنوب التي تكشف الغطاء).. رب العالمين يستر على العبد، ولكن يرفع عنه الحصانة.. هذه الأيام إذا أرادوا محاكمة سفير أو نائب، ترفع عنه الحصانة أولاً، ثم يدخل المحكمة.. كذلك هناك أمور ترفع الحصانة عن العبد، منها:
1-الاستدانة بغير نية الأداء.. مثلاً: قد يأتي إنسان، ويتظاهر أنه محتاج، ويطلب قرضاً.. وقد يكون محتاجاً حقاً، ولكن يأخذ المال بنية عدم الرد.. هذا الإنسان إنسان خائن، فربّ العالمين يكشف غطاءه يوماً من الأيام، ويفضحه على سوء نيته.
2- الإسراف في النفقة.. تارةً قد يسرف الإنسان في النفقة على الحلال، مثلاً: يكفيه وجبة طعام واحدة، فيطلب وجبتين؛ هذا إسراف.. ولكن تارةً هناك إسراف في الباطل، كأن يقامر الإنسان فيسرف في القمار، أو يشرب الخمر فيشتري أجود أنواع الخمر مثلاً.. هو حرام، ويبالغ في ذلك الحرام.. هذا إنسان يستحق أن يكشف عنه الغطاء في يوم من الأيام.