أول من استخدم طريقة الامتحانات التحريرية هم الصينيون، منذ نحو عام 2200 قبل الميلاد، وكان يسمى الامتحان الإمبراطوري، حيث كان إمبراطور الصين يختبر الموظفين مرة كل ثلاث سنوات، لقياس مستواهم الفكري، لاختيارهم للمناصب العليا، أو لترقيتهم إلى درجة أعلى، أو فصلهم.
وكانت الامتحانات تشمل الكثير من المجالات، من ضمنها الجغرافيا والرماية والفروسية، والقانون المدني، والأمور العسكرية، والزراعة، والتجارة، وظل الجهاز الحكومي يختار بالامتحانات حتى عام 1905.
وتستند الامتحانات الصينية إلى المعرفة الكلاسيكية والأسلوب الأدبي، وليس الخبرة التقنية، حيث كان المرشحون الناجحون يشتركون في اللغة والثقافة المشتركة، الأمر الذي ساعد في تشكيل الحياة الفكرية والثقافية والسياسية للصين، كما أسهم في توحيد الإمبراطورية، وإضفاء الشرعية على النظام الإمبراطوري، القائم على الجدارة والتنافسية.
وانتشر نظام الامتحانات الصيني بسرعة في الدول الآسيوية المجاورة، مثل فيتنام، وكوريا، واليابان، ثم انتقل إلى العالم الغربي، عن طريق الحملات التبشيرية والدبلوماسية. ففي بريطانيا، قامت شركة الهند الشرقية البريطانية، لأول مرة، باستخدام طريقة الامتحانات الصينية لاختيار موظفيها وبعد نجاح الشركة، تبنت الحكومة البريطانية اختبار النظام لفحص موظفي الخدمة المدنية في عام 1855.
ليطبق بعد ذلك داخل المدارس الابتدائية والثانوية، ويعتمد على العلامات والاختبارات الموحدة، وفي منتصف القرن التاسع عشر، بدأت الجامعات العمل بنظام الامتحانات التحريرية، لتقييم مهارات الطلاب، بعدما كانت تعتمد على الامتحانات الشفوية منذ القرون الوسطى، وكانت جامعة كمبردج أول من استخدم ذلك، ثم انتقلت إلى جامعة أكسفورد، وغيرها من الجامعات، وتم تعميمها في عدد من الدول الأوروبية على غرار فرنسا وألمانيا، وأصبح اختيار الموظفين والإداريين وإعطاء الشهادات للمتعلمين يتم عن طريق الكفاءات، وليس عن طريق المحسوبية والنفوذ.
أما بالنسبة للعرب، فكان النظام التعليمي حراً خالياً من الامتحانات، حيث كان لا يشترط على المتعلمين تأدية امتحانات معينة، وكانت الشهادات تمنح من الأساتذة للطلبة المجتهدين، دون امتحان، وتنص على أن الطالب درس كتاب كذا، أو منهج كذا، على يد الأستاذ فلان، ولكن ابن أصيبعة يذكر في كتاب «طبقات الأطباء»، أنه نظم امتحاناً لأطباء بغداد في عهد الخليفة المقتدر في القرن العاشر الميلادي، وكان امتحاناً شفوياً.
هكذا نشأ نظام الامتحانات، سواء شفوياً، أو تحريرياً، وتطور وانتقل إلى نظام التعليم الحديث، وأصبحت آليات الامتحانات ثابتة وواضحة وعالمية .
فنلندا أول دولة تلغي نظام الامتحانات وتتصدر النتائجفي عام 2015، أصبحت جمهورية فنلندا، التي يبلغ عدد سكانها خمسة ملايين نسمة، أقوى دولة في التعليم عالمياً، وفقاً لتقرير التنافسية العالمية.
وأسهم التخلص من الامتحانات في جعل فنلندا تتصدر العالم في نظامها التعليمي، فلا توجد اختبارات محلية عدا برنامج تقييم، للتعرف إلى عينات ديموغرافية للأطفال، ولا تستخدم
هذه للنشر أو التقييم، ولا للمقارنة بين المدارس، وإنما تستخدم فقط حينما تحتاج الجهات المعنية إلى الاطلاع عليها من أجل هدف واحد، هو تطوير النظام التعليمي، الذي لا يتضمن التلقين والحفظ بل يتضمن منهاجاً يعتمد على التفكير.
ومنذ مطلع العام الجاري، يعمل المسؤولون عن التعليم في فنلندا على إلغاء الاعتماد على المواد الدراسية، والاستعاضة عنها بموضوعات أفكار مفتوحة، ما سيمثل ثورة في طرق التعلم في فنلندا، بحيث لن يحتاج الطالب إلى تلقي ساعة كاملة في مادة التاريخ على سبيل المثال، ثم تليها حصة بالمدة نفسها لمادة الكيمياء مثلاً.
حقائق -
فرنسا تعتبر مِن أكثر البلدان تمسكاً بنظام الامتحانات الموحّدة، فبعد خمس سنوات يقضيها الطلاب في مرحلة التعليم الأولي تُختَارُ نِسبةٌ ضئيلةَ - عن طريق امتحان موحّد بالغ العسر - لدخول الكلّية، في حين يُلحَقُ سائرهم بِمدارس ثانويّة ذات مستوى أدنى، وفي خِتام مرحلة الدراسية في الكلية، يُجرَى امتحان موحّد بالغُ العسرِ أيضاً، هو امتحان البكالوريا، وعلى نتائج هذا الامتحان يتوقف دخول الطالب الجامعة أو عدمه.
-
كوريا الجنوبية: تحتَلُ المركز الأول حسب (تقرير بيرسون فيو) لأفضل النُظم التعليمية لعام 2014، تقوم بترفِيع جميع طلبة المدارس الابتدائية تقريباً إلى المدارس المتوسطة، وطلبة المدارس المتوسطة للمدارس الثانوية، أي الانتقال انتقالاً آلياً، وتُمنح الشهادات للطلبة اعتماداً على تقييمِ المَدرسة الدَّاخلي، ونظراً لِوجود نظامِ التّرفيع الآلي فإن نسبَة النَّجاح دائماً تكون قريبَةً إلى الـ100، كما أنَّ نِسبَة التَّسرب تكادُ تكون صفراً. وعلى الرغم من الامتحانات التي تعقدها المدارس الكورية، فإنَّ هذه الامتحانات لا تُعتَبر معياراً للانتقال إلى صفٍ أعلى، بل إنها تُستخدم كإحدى وسائل التقويم للطالب، حيث يتِمُّ انتقال التلميذ في التعليم الابتدائي تلقائياً من صف إلى صفٍ أعلى.
اليابان: التقويم فيها مستمرٌ طيلة العام الدراسي، ولا يوجد عِندها ما يسمى بنجاحٍ أو رسوبٍ في هذه المرحلة.
أميركا: الامتحانات لا تلعب فيها دوراً أساسياً، في انتقال الطالب من مرحلة من مراحل التعليم إلى أخرى، فهو مثلاً غير مضطر إلى أن يتخطى عند إتمامه مرحلة التعليم الأولي حاجزاً امتحانياً، ينقله إلى مرحلة التعليم الثانوي.
المملكة البريطانية: تنص التوجيهات الحكومية على أن الأطفال البالغين من العمر خمس سنوات، يجب أن يقضوا ساعةً واحدةً أسبوعياً في حلّ واجب منزلي، واستُحدِثَت منذ عام 1951م شهادُة التعليم العام عِوضاً عن الشّهادة المَدرسية، وتعد أعلى شهادةٍ في التَّعليم العَّام أو التَّعليم ما قبل الجامعي، ويُعِدُّ لامتحان شهادة التعليم العام ويُشرف على تنفيذِه مجالِس عدة، وتحدِّدُ هذه المجالس - بالتنسيق مع الجامعات - مستوى الامتحانات بشكلٍ فردي، وتكون الشهادة على مستويين (مستوى معتاد، ومستوى متقدم)، وتتميَّز امتحانات الشهادة بوجود إما ورقة لامتحان إضافي، أو أسئلة إضافية، في امتحانِ أحد المُقررات، تحدد
تفوق الطالب ومهاراته الدراسية.