دأ تقليد لبس العباءة السوداء منذ أكثر من 700 سنة في إنجلترا، حيث أصبحت العباءة السوداء هي الزي الموحد للقضاة، خلال عهد إدوارد الثاني، الذي حكم منذ 1327 حتى 1377م. ولم يقتصر ارتداء العباءة على قاعات المحكمة فقط، بل كان القاضي يرتديها أيضاً، خلال مناسبات عدة، من بينها الزيارات الرسمية إلى الديوان الملكي.
وكانت تتميز العباءة بثلاثة ألوان، هي: البنفسجية ويتم ارتداؤها خلال فصل الصيف، والخضراء لفصل الشتاء، والقرمزية للمناسبات الخاصة. وعادة كانت تعطى للقضاة كمنحة خاصة من الملك.
ويعتقد المؤرخون أن الانتقال لارتداء الثوب الأسود قد بدأ في النصف الثاني من القرن السابع عشر بإنجلترا، ولم يعرف على وجه التحديد سبب هذا التغير، لكن يزعم أنه اختير بسبب الحداد بعد وفاة الملك إدوارد الثاني، وما رسخ ذلك هو وفاة الملكة ماري عام 1694م ، فيما يشير آخرون إلى ارتباط اللون الأسود بوفاة الملك تشارلز الثاني عام 1685م، كبداية لهذا التقليد.
وفي منتصف القرن الثامن عشر الميلادي، بدأ تطبيق المبادئ التوجيهية، التي أمرت القضاة بارتداء العباءة السوداء، فأصبح القضاة يرتدونها، وفوقها وشاح قرمزي اللون عند الحكم في القضايا الجنائية، أما القضايا المدنية فغالباً يرتدون فيها عباءة سوداء من الحرير. وذلك حسب مااشار اليه موقع هيئة القضاء البريطاني في صفحته على الانترنت .
وعندما ترأس القضاة الإنجليز المحاكمات المدنية والجنائية في المستعمرات الأميركية، نقلوا هذا التقليد إلى أميركا، وبعد أن نجحت الثورة الأميركية في إطاحة الاستعمار البريطاني، وتأسيس حكومة أميركية، واصل القضاة ارتداء العباءة السوداء والشعر المستعار الأبيض، تقليداً للقضاة الإنجليز خلال فترة استعمارهم، على الرغم من عدم وجود قاعدة تنص على ذلك في المحكمة العليا بالولايات المتحدة.
وعلى الرغم من إجماع المؤرخين على أن الأمر كان تقليداً لا أكثر، فإن البعض الآخر اعتبر الحفاظ على ارتداء العباءة نوعاً من السلطة والهيبة للقاضي. وفي عام 1792م، بدأت الهيئة العليا للقضاة في الولايات المتحدة ارتداء الجلباب الأسود مع اللون الأحمر أو الأبيض عند الأكمام.
نهاية تقليد
في عام 2008، نشرت وكالة أنباء دي بي أيه خبر انتهاء واحد من أعرق تقاليد المحاكم البريطانية، إذ تخلى القضاة عن العباءات السوداء القديمة الكلاسيكية وباروكات الشعر المستعارة، وأصبح القضاة يرتدون زياً جديداً، من تصميم البريطانية بيتي جاكسون، والذي وصفه البعض بأنه يشبه ملابس أفلام «ستار تريك» الخيالية، فهي مصنوعة من صوف لونه أزرق نيلي، مزينة بقطع من القطيفة علي الأكمام والصدر. وبالنسبة للقضاة من النساء هناك ياقة بيضاء بكسرات يمكن رفعها بسهولة.
وقد رافق قانون إلغاء الزي التقليدي السابق للقضاة في بريطانيا جدل طويل، فهو لا يمس تقليداً عمره 300 عام بكل ما يتضمنه من إرث حضاري وثقافي فحسب، بل أيضاً يمس هيبتهم.
فبينما سانده البعض على أساس أنه يميز القاضي بطلة وقار تختلف عن كل الجالسين في القاعة، وتجعل العين عندما تقع عليه تعرف على الفور أن هذا هو القاضي، عارضه فريق أكبر على أساس أنه زي قديم انتهى عصره، الذي بدأ في الثمانينات من القرن السابع عشر، بينما الزي الجديد يقترب من روح القرن الحادي والعشرين.
وفي مواجهة هذا الجدل، وافقت الحكومة البريطانية، أخيراً، على إلغاء ارتداء هذه الباروكات في المحاكم المدنية، اعتباراً من عام 2008، أما في المحاكم الجنائية، فلن يستطيع القاضي دخول الجلسة بغير هذه الباروكة.