حقيقة الخلاف بين السنة الشيعة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي
من المبادئ المهمة في حوارنا مع الشيعة أن نركز على مواضع الاتفاق، لا على نقاط التمايز والاختلاف.وخاصة أن معظم نقاط الاتفاق في الأمور الأساسية التي لا يقوم الدين إلا بها، بخلاف نقاط التمايز، فجلها في الفرعيات.
ومن نقاط الاتفاق بين السنة والشيعة:-
1- الإيمان بالله تعالى، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه خاتم النبيين، وأنه جاء ليتمم رسالات السماء جميعا، والإيمان بكل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الإيمان بجميع كتب الله، وجميع رسل الله، كما قال تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَاوَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) البقرة: 285، فهذه قواعد الإيمان الأساسية نتفق جميعا على الإيمان بها، وهي أسس الدين وركائزه.
2- الاتفاق على الإيمان بالقرآن الكريم، وأنه كتاب الله المبين، والذكر الحكيم، والصراط المستقيم، (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ {)هود: 1 وأنه محفوظ من التحريف والتبديل بضمانة الله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر:9.
وأنه لا يخالف مسلم –سني أو شيعي – في أن ما بين الدفتين كلام الله.
وبهذا المصحف وآياته وكلماته يستدل المناظرون في العقائد، ويحتج بها المستنبطون للأحكام، ويرجع إليها أهل الدعوة والتربية والتوجيه، فينهلون من معينها العذب، ويقتبسون من سناها المضيء.
أما هل هناك زيادة على هذا القرآن –وهو ما زعمه قوم- فهذا لا نثيره، لأنه استطراد لا نحتاج إليه، فهذا القدر الذي اتفقنا عليه هو الذي يلزمنا، وهو المفروض علينا اتباعه والعمل به، وعدم الإخلال بأي جزء منه: – (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ {49} أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة: 50،49.
فهنا نجد النص القرآني يحذر الرسول من اتباع أهواء أهل الكتاب وأمثالهم، وأن يفتنوه عن (بعض ما أنزل الله إليه) إشارة إلى أن كل ما أنزل الله واجب الاتباع.
3- ومن نقاط الاتفاق: الالتزام بأركان الإسلام العملية: من الشهادتين، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت.
فالفريقان – سنة وشيعة- يؤمنون بهذه الأركان أو الفرائض، وإن وجد خلاف بينهم في بعض الأحكام، فهو كما يحدث بين مذاهب السنة بعضها وبعض، فكم من فرق بين المذهب الحنبلي مثلا والمذهب الحنفي أو المالكي، وكم من مسائل انفرد بها المذهب الحنبلي عن المذاهب الأربعة، عرفت باسم (مفردات المذهب) ونظمها بعضهم في منظومة معروفة.
ومن يقرأ كتابا يهتم بفقه الاختلاف مثل (نيل الأوطار) للإمام الشوكاني رحمه الله: يجد أنه يذكر علماء الأمصار وأئمة الفقه من أهل السنة ومن الشيعة، أو كما يسميهم هو وغيره: فقهاء (العترة) أو (آل البيت) مثل الباقر والصادق والناصر والهادي وغيرهم، فلا يكاد القارئ أو الدارس يحس بفرق معتبر بين هذه المذاهب ومذاهب السنة، إلا كما يحس الفرق بين مذاهب السنة بعضها وبعض.
وإذا كان هذا واضحا بينا في العبادات، فهو أبين وأوضح في المعاملات.
وإذا كانوا هم لا يعترفون بكتب أهل السنة التي تعد مراجعهم في الحديث النبوي، مثل الكتب التسعة: الموطأ ومسند أحمد وصحيحي البخاري ومسلم، وسنن أبي داود والترمذي وابن ماجة والدارمي، وغيرها من الكتب، فإن معظم ما ثبت عندنا بالسنة ثبت عندهم من طريق رواتهم، إما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه، وإما عن طريق إمام من أئمتهم الذين يعتبرونهم معصومين.
والمهم: أن الفقهين في النهاية –فقه السنة وفقه الشيعة- يتقاربان إلى حد كبير، لأن المصدر الأصلي واحد، وهو والوحي الإلهي المتمثل في القرآن والسنة، والأهداف الأساسية والمقاصد الكلية للدين واحدة عند الفريقين، وهي: إقامة عدل الله ورحمته بين عباده.