قد نسمع كثيراً عن أشخاص يتناولون الطين ويستمتعون بأكله، وقد تلاحظ الأم أن طفلها يقوم بابتلاع ما يصادفه برغبة ملحّة كالتراب والحشرات، فيما قد نصادف أشخاصاً يقومون بابتلاع مواد غريبة وغير غذائية كالحديد والأدوات الصلبة.
الحالات السابقة جميعها تعاني متلازمة بيكا، التي تعد اضطراباً غذائياً يدفع الأشخاص لأكل مواد غير غذائية، وذكرت بعض الدراسات أن مرضى بيكا يبحثون عما يمكن أن يعوض حاجة جسمهم من الحديد والكالسيوم والزنك، لذلك يلجأون إلى مصادر غير غذائية لتعويض هذا النقص، إلا أن دراسات أخرى نفت هذا الاحتمال، واصفة إياه بالسلوك الخاطئ فقط، أو بالثقافة الاجتماعية السائدة.
اشتقت كلمة «بيكا» من اللاتينية "magpi" وتعني غراب العقعق، ويشار إليها بهذه التسمية لاشتهار هذه الطيور بالتقاط الأشياء الصغيرة أو الأوساخ والنفايات وأكلها.
ولا تقتصر المواد غير الغذائية التي يتناولها مرضى بيكا على الحديد والطين، بل يمكن أن تضم القائمة مواد أخرى كالرمل والطباشير والبلاستيك والنفايات والثلج في بعض الحالات وصابون الغسيل، وبودرة التالك، وغيرها من المواد التي لا تحتوي على أية قيمة غذائية.
فيما يحرص المصابون بمتلازمة بيكا الذين يميلون لأكل الطين على اختيار التربة النظيفة والعميقة، والابتعاد عن التربة السطحية التي تحتوي على بكتيريا وطفيليات، ويشبهون طعم الطين بالرائحة التي تطلقها التربة بعد هطول الأمطار.
ما سبب رائحة المطرولوحظ أن معظم الحالات المصابة بمتلازمة بيكا هي من الأطفال، خصوصاً أولئك المصابين بعاهات خلقية، كما من الممكن أن تظهر متلازمة بيكا عند النساء في فترة الحمل، وتعتبر بعض الثقافات متلازمة بيكا، وما يتبعها من أكل للأتربة والحشرات والأسلاك، أمراً مقبولاً اجتماعياً وغير مرضي.
كما قد تنشأ متلازمة بيكا عند بعض الأشخاص المصابين بنوع من أنواع الأمراض النفسية كالشيزوفرينيا والوسواس القهري كطريقة للتلاؤم مع المرض، حيث تظهر لديهم الرغبة بتناول بعض الأشياء أو الطعومات غير المخصصة للأكل، كما ذكر في موقع «ميد سكيب».
وعلى الرغم من التأثيرات التي قد تحدثها متلازمة بيكا عضوياً على المصاب بها، إلا أنها نادراً ما تحدث أي تأثير اجتماعي على الأفراد، إلا في بعض الاضطرابات المرضية كطيف التوحد والإعاقة الفكرية والفصام والوسواس القهري، وقد تترافق متلازمة بيكا مع الانطوائية واضطراب الأكل
«بيكا» والحمل قد تظهر متلازمة بيكا عند النساء الحوامل دون أن يستطيع العلماء تحديد سبب واضح لذلك، إلا أن نقص المعادن في الجسم قد يدفع المرأة الحامل إلى التعويض من مصادر تحتوي على نسب عالية من المعادن كالطين، وغالباً ما تكون غنية بالكالسيوم والحديد والنحاس والمغنيسيوم، وهذه المعادن الضرورية لغذاء الإنسان، وتحديداً في فترة الحمل، وقد تلجأ الحوامل لتناول الطين، لأنه يعتقد أنه يساعد في أغراض الغثيان الصباحي الذي تعانيه النساء الحوامل.
وتعد متلازمة بيكا في الحمل عالمية، إلا أنها تختلف بين بلد وآخر تبعاً للثقافة السائدة فيه، حيث سجلت النساء الحوامل المصابات بمتلازمة بيكا في الدنمارك نسبة 0.01، فيما ارتفعت نسبتهن في كينيا إلى 56% من النساء الحوامل.
كيف تلاحظ وجود متلازمة بيكا؟ تختلف الأعراض السريرية في متلازمة بيكا، حيث يمكن ملاحظتها تبعاً للتشخيص الطبي الناتج عنها والمواد التي تم تناولها، فمن الممكن أن يصاب مرضى بيكا بتسمم الرصاص نتيجة ابتلاع مواد سامة، أو الإصابة بداء السهميات أو ديدان الاسكاريس نتيجة تناول التربة التي تعد مرتعاً للطفيليات، ويمكن أن تحدث اضطرابات في الجهاز الهضمي كالمشكلات المعوية والتقرحات والثقوب أو انسداد الأمعاء، أو مشكلات الأسنان نتيجة تناول مواد صلبة، ما يؤدي إلى تآكل الأسنان وتصدعها.
«بيكا».. مسببات غير معروفة على الرغم من أن مسببات متلازمة بيكا غير معروفة، والعديد من الفرضيات طرحت تفسيرات لهذه الظاهرة، بدءاً من الأسباب النفسية والاجتماعية لأسباب ذات أصل يتعلق بالكيمياء الحيوية، إلا أن الأطباء أرجعوها لمجموعة من الأسباب التي تدفع الأفراد لاكتساب متلازمة بيكا والتعامل معها كسلوك، منها سوء التغذية وعوامل تتعلق بالظروف العائلية والثقافية التي يعيش فيها الفرد كانفصال الوالدين وإهمالهما وإساءة معاملة الأطفال، بالإضافة إلى التوتر، والوضع المادي السيئ، ويضاف إلى ذلك الدخل الوظيفي المتدني، والسلوك المكتسب، والاضطرابات البيوكيميائية.
كما أن بعض الدراسات التي جمعت بيانات عن متلازمة بيكا لا تدعم أياً من الفرضيات التي ترجع متلازمة بيكا للعوز الغذائي لبعض العناصر المهمة للجسم، كنقص الحديد، الكالسيوم، الزنك، والمواد المغذية الأخرى (على سبيل المثال، الثيامين، النياسين، والفيتامينات C و D، إلا أن «بيكا» ظهرت عند بعض المرضى الذين يعانون نقص الحديد ويأكلون الطين، ولكن اتجاه هذه العلاقة السببية غير واضح ما إذا كان نقص الحديد دفعهم إلى أكل الطين أو ما إذا كان تثبيط امتصاص الحديد ناجماً عن تناول الطين.
داء ليس له دواء لا يوجد علاج طبي محدد لمتلازمة بيكا، إلا أن بعض الدراسات الطبية تشير إلى أن العقاقير التي تعزز عمل الدوبامين في الجسم، كالأولانزابين، مفيدة لمرضى متلازمة بيكا التي ترتبط بانخفاض الناقل العصبي «الدوبامين»، ولما يحتويه الدوبامين من تأثير على السلوك في بعض الاضطرابات العصبية، بحسب موقع «ذا وييك».
كما يمكن التغلب على متلازمة بيكا باستشارة الأطباء النفسيين والاختصاصيين الاجتماعيين، حيث يلعب السلوك النفسي دوراً مهماً، كما يمكن أن يعمل المعالجون الفيزيائيون على تعزيز الحس الشعوري لدى مرضى بيكا، ويمكن استخدام بعض الأجهزة التي تمنع مريض متلازمة بيكا من وضع الأشياء في فمه.
وتعد المراقبة الدائمة لمرضى بيكا والتوجيه المستمر أمرين ضروريين، وينصح بالتدريب على تمييز الأطعمة الصالحة للأكل من غيرها.