نزيه حتى الثمالة.. دقيقاً في مواعيده.. كما كان جاداً وحازماً.. بل وقاسياً عند الضرورة.. وحاد الطبع.. عصبي المزاج.. سريع الغضب.. كثيراً ما كان يشترك في المشاجرات والمشاحنات.. لكنه إذا ما أراد الوصول إلى غاية ما أو تكريس سياسة ما.. فإنه لا يثور ولا يتأثر.. بل يتحمل النقد حتى اللاذع من خصومه.. ويتعمد الغموض في أحاديثه.. ويوحي لمخاطبيه عن قصد بإشارات متناقضة أو تنطوي على تفسيرات متعددة.. كما كان مناوراً.. يعرف كيف يستغل الظروف والمتغيرات ويكرّسها لخدمة أهدافه.. مثلما كان دبلوماسياً من الطراز الأول ..
كان ميكافيلياً بالفطرة.. يؤمن بأن الغاية تبرر الوسيلة.. فكان يجيد اختيار ساعته.. كما كان يقتنص الفرص الثمينة لتقوية أوراقه الرابحة.. كان مقتنعاً بأن العراق لابد أن يعتمد على دولة كبرى ليردع أعداءه بكل الوسائل، فوصف برجل الغرب ..
يحب النكتة.. وتأسره الموسيقى والغناء البغدادي الأصيل.. ومن المطربات المفضلات لديه عفيفة اسكندر.. وسليمة مراد التي منحها لقب (باشا).. يحب الأكلات البغدادية.. وخبز التنور العراقي.. وكبة السراي.. وكباب اربيل.. وقيمر الحلة ..
نبذة عن حياته :
هو نوري بن سـعيد بن صالح ابن الملا طه القرغولي.. ولد ببغداد العام 1888.. كان والده يعمل محاسباً في إحدى الدوائر في العهد العثماني.. تخرج نوري من المدرسة الحربية في اسطنبول العام 1906.. ودخل مدرسة أركان الحرب فيها العام 1911 ..
بدأ حياته ضابطاً في الجيش العثماني.. وشارك بمعارك القرم شمال البحر الأسود بين الجيش العثماني والجيش الروسي وبعد خسارة العثمانيين.. عاد لوحده من القرم إلى العراق.. قاطعاً مسافات طويلة ما بين سير على الأقدام أو على الدواب.. انتمى إلى الجمعيات السرية التي دعت الى استقلال العراق والعرب عن الدولة العثمانية.. وشارك في الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين بن علي العام 1916..
اختير لعضوية المجلس التأسيسي للعراق العام 1920 من قبل الحكومة البريطانية برئاسة المندوب السامي السير بيرسي كوكس.. حيث تشير المراسلات بأنه المس بيل (السكرتيرة الشرقية في دار الاعتماد البريطاني ببغداد).. بعد أول لقاء لها بنوري سعيد.. كتبت تقول : (إننا نقف وجهاً لوجه أمام قوة جبارة ومرنة في آن واحد.. ينبغي علينا ـ نحن البريطانيون ـ إما أن نعمل يداً بيد معها أو نشتبك وإيّاها في صراع عنيف يصعب إحراز النصر فيه) ..
أما السفير البريطاني في بغداد بيترسون فيعتقد بأن : (نوري باشا ظلّ لغزاً كبيراً.. لأنه بات بعد العام 1927.. وتحديداً بعد انتحار رئيس الوزراء عبد المحسن السعدون.. أصبح نوري السعيد صعب الإقناع.. في بلد لم يتعود الإذعان لرجل أو الخضوع لسلطة.. ونوري كان يريد بناء العراق.. رغم كل الدعايات ضده من الحكومات والشعب) ..
عراق نوري السعيد :
تولى نوري السعيد منصب رئاسة الوزراء في العراق 14 مرة (من أول وزارة شكلها في 23 آذار إلى آخر وزارة (3 اذار1930 - 13 ايار1958).. كما أصبح رئيساً لوزراء الاتحاد العربي بين الأردن والعراق (14 أيار 1958 ـ 14 تموز 1958) .. وكان وزيراً متكرراً في أكثر من وزارة.. حتى لقب بالوزير الدائم ..
وفي الحالات التي لا يشترك أو يشترك في الوزارة.. فانه يحتفظ بقوة نفوذه السياسي من خلال رجاله الموالين له والمتأثرين به داخل أجهزة السلطة.. ومن خلال آرائه في شؤن الحكم التي يحتاج اليها البلاط الملكي ورجال السياسة.. حتى سميً العهد الملكي في العراق باسم (عراق نوري السعيد) ..
لقد رسم السعيد خطوات أساسية في حياة العراق السياسية .. وأكد لسنوات طويلة ارتباط العراق بالسياسة البريطانية.. ثم أضاف اليها تبعية لأمريكا عبر حلف بغداد.. لقد كانت حياته صراعاً مريراً مع رجال السياسة وتنافساً شديداً على النفوذ وظل يحتفظ بولائه للإنكليز وللبلاط الملكي حتى نهايته ..
مصرعه ؟
د . هادي حسن عليوي