الحمد لله الذي أمر بالتواضع، وخفض الجناح لكل مؤمن راكع . أيها المسلمون: الأمة بقيامها وأخلاقها تزداد عزًا وشرفًا في مراتبها، وتزكو أعمالها، وتسعد في حياتها، ومن هذه الأخلاق الجميلة، والسمات الجليلة النبيلة، خلق التواضع، وجماعه ترك الترأس، وإظهار الخمول، وكراهية التعظيم، والزيادة في الإكرام، وتجنب المباهاة والمفاخرة بالجاه والمال والحسب، والحذر من الكبر والفخر والعُجب، وقبول الحق ممن جاء به، ولين الجانب، وكل خلق حسن فالتواضع مفتاحه لكل حسن.
والأخلاق العالية، والآداب السامية من سمات شرعيتنا الإسلامية، وجمال تشريعاتها الحياتية، وتفاوت الناس في الأخلاق كتفاوتهم في الأرزاق، بيد أنه كما تطلب رزقك، اطلب جمال خلقك، وكما تبحث المزيد من الرزق، فابحث المزيد من الخلق.
التواضع عنوان الفلاح، ومفتاح القلوب، وباب المحبة، وسعادة الدارين.
التواضع ملاك القلوب، وصيد الأفئدة، ومغفرة الذنوب، ما تواضع عبد لله إلا أعزه ورفعه، ومكنه ونفعه، المتواضع يصل إلى القلوب، ويخفي العيوب.
التواضع يكون للحق سبحانه بفعل أوامره، واجتناب نواهيه، تواضع للكبير المتعال بالاستجابة والامتثال .
التواضع –أيها المسلمون-: راحة نفسية، وسعادة بدنية، وحياة قلبية، التواضع تغاضي عن الهفوة، وإغماض عن الجفوة، المتواضع هو المستفيد، وقد ارتاح منه العبيد، لا يرجو مخلوقًا، ولا ينتظر ثناء، ولا يطلب جزاء ولا شكورًا.
التواضع نشر لمكارم الأخلاق، وجميل الآداب، المتواضع عنوانه وشعاره، ودثاره وإشعاره حب الخير للغير، وكراهة السوء والشر للغير.
النفس المتواضعة محبوبة لله وللناس، محفوفة بسلامة السوء والوسواس، النفس المتواضعة تصل إلى القلوب، وتسكن البيوت، المتواضع كلما زاد تواضعه زاد قدره، وكلما خفض جناحه زاد حبه، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما تواضع أحد لله إلا رفعه)، رواه مسلم .
التواضع من أبرز سمات المؤمنين، وأخلاق المتقين، قال رب العالمين لرسوله الأمين: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 215]، والمؤمنون هم المتواضعون، وفيما بينهم يتراحمون، وأهل عزة وقوة على أعدائهم، وللكفار مبغضون، {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: 54]، قال ابن كثير -رحمه الله-: وهذه الصفات المؤمنين الكُمّل، أن يكون أحدهم متواضعًا لأخيه ووليه، متعززًا على خصمه وعدوه، كما قال تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}[الفتح: 29]، المتواضعون يعلمون أنهم بالتواضع يتزكون وينجون، قال تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}[النجم: 32]، وبالتقوى يكرمون، وبها في الجنان يسكنون، لا بأحسابهم وأنسابهم يتفاخرون، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]، وأثنى الله على عباده في محكم كتابه: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً} [الفرقان: 63]، قال ابن القيم -رحمه الله-: أي سكينة ووقارًا متواضعين غير أشرين ولا مرحين ولا متكبرين ...
والمتواضع مأمون من الحسد، فلا يحسده على تواضعه أحد، قال عروة بن الورد -رحمه الله-: التواضع أحد مصائد الشرف، وكل نعمة محسود عليها صاحبها إلا التواضع.
وقال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-: وجدنا الكرم في التقوى، والغنى في اليقين، والشرف في التواضع.
والتواضع عنوان السعادة، وسبيل الريادة، المتواضعون آمنون، ولرسلهم مقتادون، والناس بهم يأتمون، ولهم يدعون، وعليهم يثنون، راحة البال، وصلاح الحال، وسعادة المآل في التواضع في جميع الأحوال.
وميزان التواضع وأثره، تلهج به الألسنة، والناس لا يحبون المتكبرين، ولو كان عنده وله الجاه والملايين، وإنما يحبون المتواضع ولو ضعفت حاله، وقلت دراهمه، ونأت به أوطانه.....
الحمد لله رب العالمين ,,,,,,,,