كان صباحا جدا هادئ لاتجد ريحا الا نسمات تمر على اغصان الاشجار تورثها رقصة تبعث في النفس انشراح ونشاط غير معهود مع ان الساعه دخلت على العاشرة صباحا وهو موعد وصوله تقريبا
انحدرت سيارته واخرى تتبعه من طريق مزرعتنا العلوي متجه الى مكان الحديقة الواسعه المطلة على نهر دجلة
فنزل منها رجلا ذا مهابه بزيه العربي فتبعه جاره في الكرادة من بيت الاسود كنيتهم فقدمه الى والدي المسن طال عمرك سفير دولة الكويت ببغداد فاشار بيده بلطف اليه فحياه والدي بحرارة الترحيب العراقي لضيفه وبكلمات التهليل المعهوده على لسانه واخذ الطرفان يتبادلانها وكان دورنا لن ياتي بالترحيب به بعدها سلم علينا فردا فردا كبيرا وصغيرا بذات العبارات والمصافحة التي امتدت حتى لبعض اطفالنا فاتجهنا بعدها الى مكان الجلوس بالحديقة وهو يمشي مع ابي يدا بيد ونحن خلفهم مع شخصين من موظفي السفارة الكويتيين وهناك بدأ ابي يسرد له قصص الصيد والخيول انه وجد منه تقبلا وتوافقا بالافكار حولها وتجول والدي بافكارة التي لم يبدها لنا يوما ويبدو ان السفير فتح شهية ذاكرته عن امور لم يكن يتذكرها فانسجم معه كانه يعرفه من سبعين سنة التي مضت من عمره فعرجا بعدها على الزراعه والنخيل وملحقاتها فمضت الساعتين سريعا قطعها اذان الظهر بصوت الحاج ابراهيم ابو خليل مؤذن جامعنا الذي يفصل بيننا وبينه بستان الكيلانية فطلب منا السفير الذهاب اليه والصلاة هناك مشيا وليس ي السيارة فدخلنا البستان واخذنا نسير بطرقها المحفوفة باشجار الحمضيات وهو يتابع تناسق خطوط زراعتها بينما ابي (وكيل اسرة الكيلاني)يشرح له تلك الامور التنظيمية التي تخص الاشجار والنباتات وطرق ادامتها لكي تظهر بالمستوى الجيد في الانتاجية الى ان وصلنا الى مخرج البستان الملاصق للجامع وكانت الدقائق العشرين قد مضت سيرا فكانت الصلاة قد اقيمت لتوها فصلينا في الصف الثاني بعدها قام مسنين بالسلام عليه لما عرفوا انه السفير الكويتي فطلب ان يتفقد المنطقة المحيطة بالجامع والاطلاع على احوال الناس فسرنا معه بها وهو تطلع بالناس ويحييهم بالسلام والوجه المرح فكان دوما يدس بيد اي طفل يواجهه بالدنانير اثناء مسيرنا حتى كان يكرم بها الكبار فكان كريما جدا لايبخل على اي احد مر عليه بعدها حضرت السيارة التي بعث ابي بطلبها فرجعنا بها الى المزرعه
واذ انا اتذكر ذلك الان اتحسر على ايام الامان التي كانت في بغداد فكان السفير يمشي معنا بكامل الامان بدون حماية تذكر وهذا حال كافة رجال السلك الدبلوماسي العاملون في بغداد فهذه ليست ببغداد الامس فامسى الارهاب المنوع يتجول في شوارعها ودب الخوف وارعب بساكنيها فتجدهم حبيسوا دورهم عند مغيب الشمس والتي هي الاخرى لم تسلم من السارقيين وعصابات الخطف والتسليب واقع مدمي الى ابعد الحدود من المرارة
وصلنا الى مجلسنا في الحديقة وكان صياد السمك قد جلب ثلاث سمكات كبيرة من نهر دجلة وقام باعدادها للشواء على الطريقة البغدادية وكان هذا بطلب السفير فتناولنا الغداء معه تخللها احاديث طيبه ومسرة تكلم بها فاشار الى والدي على ان نعد الشاي على الفحم الباقي من الشواء فكان ذلك
اذن المؤذن لصلاة العصر فحان وقت وداعه فسلم علينا فردا فردا بحرارة واشتبكت يده بايدي والدي كلا ضم الاخر على صدره فكان وداعا جدا رائعا ثم رفع يده لنا جميعا مودعا
اثناء غزو الكويت شاهدنا السفير وقد ارغمه صدام على ان يتكلم على الحكومة الكويتيه فخرج على التلفاز وتكلم بعض الاكلام حول الغزو بصورة مبطنه ومؤلمه لانه كان مرغما على ان يتكلم
عندما شاهدنا كنا نتعصر من الالم عليه وكيف الت الامور به فكنا باشد حالات القلق عليه فاختفى حتى من الاعلام ولم اره لحد هذه اللحظة مع اننا دوما نتذكره ونتذكر احاديثة الشيقه وجلسته الطيبه معنا