قصة أتوبيس
في عام 1955 استقلت الخياطة البسيطة روزا باركس حافلة أمريكية لتعود إلى البيت.
وفي الحافلة، وجدت مقعدا فارغا فجلست فيه وبعد قليل دخل ركاب آخرون ووقف أمامها رجل متوقع أن تقوم هي لتعطيه مكانها، فهو أبيض البشرة بينما روزا باركس سوداء، وكان قانون الخمسينيات في هذه المقاطعة وغيرها من المقاطعات الجنوبية ينص على أن السود يتخلون عن مقاعدهم للبيض، وأن عليهم الدفع من الباب الأمامي ثم التراجع والدخول إلى الحافلة من الباب الخلفي.
رفضت روزا الخضوع لهذا القانون العنصري الجائر، فهاج الركاب وتوقف سائق الحافلة، ولكن باركس رفضت التحرك من مقعدها وأصرت على العصيان، وأخذت تنفذه بهدوء ومدنية.
بعد دقائق وصلت الشرطة وألقت القبض عليها لخرقها قانون الولاية، لكنها كانت مستعدة لكل شيء.
وبعد هذا العصيان الذي قامت به روزا باركس تغير تاريخ أمريكا، لأن محاكمتها استمرت 381 يوما وانتشرت أخبار القضية في كل مكان، وقاطع السود المواصلات وصعود الحافلات لمدة سنة، وخلالها بدأت حركة الحريات المدنية للسود.
وفي النهاية أقرت المحكمة بمخالفة قانون إعطاء الأولوية للركاب البيض للدستور الأمريكي.
ولكن جاء هذا بعد أن اشتعل البلد، ودخل مرحلة اضطر فيها أن يراجع القوانين التي تعامل السود كمواطنين أدنى.
روزا باركس لم تتخيل أن الحافلة التي كانت تجلس فيها ستتحول إلى رمز تفخر به أمريكا، حيث تضيف في كتابها إنها تريد أن يعرف القراء أن إيمانها بالله وقوتها الروحية هي التي جعلتها تعيش وتتصرف بهذا الشكل، وأنها لم تكن مركز الحدث، بل كانت جزءا من الحركة ضد العنصرية والظلم.
لقد ماتت الخياطة الأمريكية وعلى صدرها أعلى الأوسمة؛ حيث حصلت على الوسام الرئاسي للحرية عام 1996م، والوسام الذهبي للكونجرس عام 1999م، وهو أعلى تكريم مدني في البلاد ، وفوق هذا وسام الحرية الذي أهدته لكل بني جنسها عبر كلمة (لا)..أشهر (لا) في تاريخ أمريكا، ومن ثم علينا نحن المصريين ــ حكاما ومحكومين ــ ألا نستخف بهذه الكلمة الصغيرة إذا أردنا أن نصنع مجدا جديدا يشهد به العالم.. فقط تنقصنا الشجاعة لتصحيح مسارنا وإنقاذ وحدتنا.